عندما تلبس جامعاتنا السعودية ثوب الابتكار.. ندرك أن المستقبل تم استحضاره بعزائم الابداع والثقة بأننا صناع هذا المستقبل، ليس بالصمت وإنما بالفكر المتجدد؛ فالجامعة حين تدخل هذا الميدان، ترسخ مفهوم أن الابتكار لم يعد اليوم مجرد رفاه معرفي أو شعار احتفالي يزيّن جدران الجامعات، بل أصبح جوهر الوجود الأكاديمي ومرتكزا حقيقيا لتقدّم الأمم والمجتمعات.
وهنا تتجلى جامعة الملك فيصل بوصفها إحدى المؤسسات السعودية التي تقف على تخوم التحول النوعي نحو اقتصاد المعرفة، من خلال سعيها الجاد لتكون منطقة إشعاع للابتكار والبحث العلمي، ومركزا لإنتاج المعرفة القابلة للتطبيق في خدمة المجتمع والوطن.. نعم فالابتكار يتخطى كونه فكرة جديدة أو مشروع تقني؛ إلى وعي متقدم عبر الزمن، فمناطق الابتكار تمثل عنصرا جوهريا في تحول الجامعات من مؤسسات تعليمية تقليدية إلى محركات للتغيير المجتمعي والاقتصادي، فهي تعمل على تعزيز البحث التطبيقي من خلال ربط البحث العلمي باحتياجات السوق والمجتمع، بما يحوّل المعرفة إلى منتجات وخدمات ملموسة، وتمكين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس عبر توفير بيئة حاضنة للإبداع والتجربة، حيث يمكن للطلاب والباحثين تطبيق أفكارهم وتحويلها إلى مشاريع فعلية، كما تعمل على جذب الشراكات الدولية والمحلية وفتح قنوات تعاون مع الصناعات، والشركات الناشئة، والمؤسسات البحثية، بما يدعم انتقال المعرفة والتقنية، وتعزيز التنافسية الأكاديمية عبر وضع الجامعة على الخارطة العالمية للابتكار، وتفعيل أثر الجامعة المجتمعي من خلال تحويل المعرفة إلى حلول عملية تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتطوير المهارات البشرية المحلية، أما البحث العلمي لم يعد حبرا على ورق، بل نورا يشع طريق التنمية. قبل دخولها مناطق الابتكار الوطنية والدولية أثبتت جامعة الملك فيصل قدرتها على تحويل المعرفة إلى ابتكار ملموس، عبر مشاريع بحثية متقدمة في مجالات الطاقة المتجددة، الذكاء الاصطناعي، الزراعة الذكية، والتقنيات الحيوية.
كما حققت الجامعة مراكز متقدمة في براءات الاختراع على المستوى الوطني والدولي، ما يعكس قدرتها على تحويل الأفكار العلمية إلى ابتكارات ملموسة تحاكي احتياجات المجتمع والسوق، ويعزز مكانتها كمؤسسة تعليمية وريادية في البحث العلمي، لديها عدد كبير من براءات الاختراع المسجلة، وهذه ليست مجرد أرقام، بل دليل على تحول الفكر إلى فعل، والفكرة إلى واقع، بما ينسجم مع فلسفة الابتكار كقيمة وجودية ومعرفية، وليس كإنجاز شكلي.
في عمق هذه المسيرة، تتردد أصداء رؤية المملكة 2030، التي جعلت الابتكار ركيزة أساسية للتحول الوطني، فالمؤسسات العلمية التي تستلهم هذه الرؤية لا تراها وثيقة حكومية فحسب، بل فلسفة وجودية ترى أن الإنسان لا يتطور إلا حين يوحّد بين فكره وفعله، بين علمه وضميره، ولهذا تبنّت العديد من الجامعات هيكلة إدارية وبحثية متكاملة تهدف إلى تعزيز الابتكار، وتحفّز التفكير الخلاق والبحث التطبيقي.
لقد أدركت قيادة الجامعة، ممثلة في قائد الابتكار سعادة رئيس الجامعة أ.د. عادل بن محمد أبو زناده، ووكيل الجامعة للبحث العلمي العبقري أ.د. عبدالرحمن الليلي، أن الابتكار لا يزدهر إلا في بيئة تحتضن العلم، وتؤمن بقيمة الإنسان المفكر، من خلال إشرافهم المباشر على استراتيجيات البحث العلمي وبرامج الابتكار، وقد استطاعت الجامعة أن تحوّل المختبرات، والمراكز البحثية، وحاضنات الابتكار إلى بيئات حية تتنفس الأفكار، وتنتج حلولا مبتكرة لمشكلات المجتمع والاقتصاد الوطني.
إن انضمام الجامعة إلى مناطق الابتكار الوطنية والدولية لم يكن مجرد إعلان إداري، بل ميلاد فلسفي لمؤسسة قررت أن تفكر بطريقة مختلفة؛ برهنت عليه بتسجيل 631 براءة اختراع خلال العام 2024، في حين أنّ هذا الانضمام لا يُعد تكريما فقط، بل عهد إعلان جديد بأنّ الجامعة لم تعد تكتفي بالتعليم، بل تسعى لقيادة التحوّل المعرفي والإبداعي في السعودية.
فالجامعات لا تتباهى بما تعرف، بل بما تُضيف إلى العالم من معنى، وتُظهر أنّ العلم الذي لا يغير وعينا أو حياة الناس يظل ناقصا.. وهكذا، تُعيد جامعة الملك فيصل تعريف نفسها كمنصة فكرية، نافذة للوعي، وجسر بين الفكر والحياة، وصوتا يهمس للعالم بأن المستقبل يبدأ حين نجعل الابتكار منهجا ووجودا.