أصبح توثيق الأداء الوظيفي في المؤسسات التعليمية جزءا أساسيا من أنظمة التقييم والمتابعة بهدف رفع الكفاءة وضبط الجودة إلا أن هذه الممارسة على الرغم من نواياها الإيجابية تحمل في طياتها سلبيات واضحة حين تتحول إلى عبء إداري يثقل كاهل المعلم ويشغله عن رسالته التربوية
أولى هذه السلبيات أن التوثيق غالبا ما يركز على الجوانب الإجرائية والورقية فيطالب المعلم بإعداد تقارير وخطط واستبيانات ومحاضر متابعة بشكل متكرر مما يستنزف وقتا وجهدا كان الأولى أن يستثمر في الإعداد للدروس أو في متابعة احتياجات الطلاب التعليمية والسلوكية هذا الانشغال بالكم من الوثائق يضعف جودة المخرجات التعليمية لأن جوهر التعليم يعتمد على التفاعل المباشر داخل الصف أكثر مما يعتمد على النماذج المكتوبة
إضافة إلى ذلك فإن الإفراط في التوثيق يحول المعلم من مربي أجيال إلى موظف إداري ينشغل باستيفاء متطلبات النماذج أكثر من اهتمامه بإبداع طرق تدريسية حديثة ومع مرور الوقت يؤدي هذا إلى تراجع الحافز الداخلي للمعلم وإضعاف روح المبادرة والتجديد لديه لأنه بات يعمل ليتوافق مع معايير التقييم الرسمية لا مع حاجات طلابه الفعلية
ولا يمكن إغفال الضغط النفسي الناتج عن هذا الأسلوب إذ يشعر المعلم أن كل جهوده موضوعة تحت المجهر وأن أي تقصير في التوثيق حتى لو كان أداؤه داخل الصف متميزا قد ينعكس سلبا على تقييمه الوظيفي هذا النوع من الضغط يولد إرهاقا ذهنيا ويشتت تركيزه وقد يترك أثرا غير مباشر على أدائه مع الطلاب
الأثر الأكبر يقع في النهاية على الطالب فكل دقيقة يقضيها المعلم في متابعة متطلبات التوثيق هي دقيقة مفقودة من وقت التعليم الفعلي سواء في التحضير الجاد أو في الدعم الفردي أو في إثراء العملية التعليمية ومن هنا يصبح التوثيق أداة عكسية إذ يضعف جودة التعليم بدل أن يعززها
لذلك فإن المبالغة في توثيق الأداء الوظيفي تمثل سلبية واضحة في الميدان التعليمي لأنها تسحب المعلم بعيدا عن رسالته الجوهرية التعليم والتربية والبديل الأمثل هو أن يعاد النظر في آليات التقييم بحيث تركز على الممارسات الصفية وأثر المعلم على طلابه ومستوى الإبداع والتأثير الذي يقدمه بدلا من اختزال جهوده في أوراق ونماذج لا تعكس الصورة الحقيقية لأدائه