في لحظات سكون مساء هادئ، بدأ وكأن كل الموجودات من حولي تغمض عينها… أنا، ومكتبي، وسبحتي، وعمامتي، والحائط وما وراءه، حتى اللحظات الساكنة نفسها… حينها تفاجأت أن للصمت صوت، وأن الصوت الذي اعتدناه ليس إلا ضجر الصمت من طول التجاهل… وفي هذه الأثناء بدأ صوت عقارب ساعتي يخترق هذا الصمت، أخذتني تلك النبرة إلى عدد من الميادين التي تحاول تفسيرها، أهي خطوات الزمن؟ أم أنها نبضات الحياة؟ أم هي صوت قرع أقلام السجلات التي تغلبت على صريرها؟…وبينا أنا كذلك إذ بساعتي تجيبني قبل أن أسأل: ليس بالضرورة أن تجد جواباً لهذا التساؤل، ولكن بالضرورة أن تستثمر هذه اللحظات، فلا تتركها ترحل وليس معها منك إلا ماتركت من صداها في أذنيك.
- قلت: لطالما أرقني هذا الأمر، إذ أنّي أخشى أنّ محاولة التخطيط وإدارة الوقت وهم يتعارض مع التسليم لله.
- قالت: التسليم ليس ترك التخطيط؛ بل هو الثقة بأن التخطيط جزء من الإيمان. فالصبر هو جوهر التسليم، وإدارة الوقت هو تدبير هذا الصبر. فحين نخطط بوعي، فإننا نغرس التسليم في جدولنا اليومي.
- قلت: ولكنني أحيانًا حين أخطط أقع في فخ الاستعجال بحجة أن العجلة تعني النجاح.
- قالت: العجلة تسرق من القلب الطمأنينة. إن العجلة نقيض الإيمان والحب والثقة. إنك حين تستعجل، فإن القلق يبنى أعشاشه في قلبك، فتصبح مهووساً بالبحث عن حلول سريعة؛ تصنع بها أزمات مؤجلة بدلاً من حلها.
- قلت: هل هذا يعني أن أجعل مدى الخطط واسعاً، ألا يتعارض هذا مع سرعة الإنجاز؟
- قالت: يبدوا أنك لم تسمع بقانون باركنسون الذي يقول إن العمل يتوسع ليملأ الوقت المتاح له. فإذا أَعطيتَ مهمة يومًا لتنتهي، فستنتهي في يوم؛ وإذا أعطيتها أسبوعًا، فستتمدّد لتملأ الأسبوع. لذلك ضع مدة تنفيذ قصيرة وأضف لها مدى آخر، وهو وقت احتياطي للمفاجآت. فبهذا تجبر نفسك على التركيز وتحصل على فرصة للتدارك إن طرأ أمر ما.
- قلت: كيف أضيف مدى إضافي دون أن يكون تبديدًا للوقت؟
- قالت: يرى متخصصوا الإدارة أن وقت الحماية الإضافي يمكن أن يكون 10‑15٪ من الوقت المتوقع؛ وبهذا لا يعتبر تبديداً؛ لما له من أثر في المرونة وامتصاص التأخيرات.
لذا فإن تقصير مدة التنفيذ يجبرك على الإنجاز قبل الوقت المحدد، بينما المدى الإضافي هو هامش أمان.
- قلت: أليست الحلول السريعة جزء من التخطيط؟ في حين أنك قلتِ أنها أزمات مؤجلة.
- قالت: الحلول السريعة تُشبه إطفاء حريق بغطاء رقيق؛ سرعان ما يشتعل مجددًا. فعندما لا تدرس الأسباب ولا تضع هامشًا للطوارئ، فستضطر إلى ترقيع الأخطاء. إن الخطة ذات المدى الإضافي تُعالج الجذور وتمنحك الوقت للمراجعة والمتابعة. وتذكر أنك لن تنجح مالم تتحلّ بالصبر.
- قلت: وماعلاقة الصبر بما نقول؟!
- قالت: الصبر هو الوقود الذي يجعل الخطة تعمل. فعندما تلتزم بالمدة التي وضعتها وتتحمل انتظار النتائج، فأنت تعيش التسليم. لا يعني ذلك الركون، بل العمل الدؤوب دون استعجال النتائج.
- قلت: لم أكن أتوقع أن هذا الموضوع متشعب إلى هذا الحد.
- قالت: إن تلك الدقات التي سمعتها في ساعتك ليست إلا نبض حياتك. والتسليم وإدارة الوقت ليسا متضادين؛ كلاهما يعني أن تعيش اللحظة وتحترم المستقبل. لا تدع العجلة تخدعك، ولا تترك العمل يتمدد بلا ضابط. أضف مدىً إضافي لكل شيء، واتخذ الصبر دليلاً، وستجد أن البداية والنهاية ليست سوى لحظات متصلة ببعضها وكل منهما يصنع قصة زمنك الخاصة.