كثيرون هم اولئك الذين يظنون أن الظلم يقع من الآخرين فحسب، من مدير متسلط، أو بيئة قاسية، أو ظروف تعاكس المرء في مسيرته.
لكن الحقيقة هي أن الإنسان هو أول من يظلم نفسه، حين يستسلم للفشل، ويقبل البقاء في دائرة الضعف، وهو قادر على أن يغيّر واقعه.
الله ﷻ وصف هذا الصنف من الناس بأنهم “ظالمي أنفسهم”، فقال: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا﴾ «النساء 97» لأنهم لم يستثمروا ما أعطاهم الله من عقل وقدرة وموهبة، بل قبلوا أن يعيشوا في أرض ضيقة، مع أن أرض الله واسعة، وقبلوا أن يظلوا أسرى لعجزٍ أو عادةٍ أو خوفٍ، مع أن أمامهم فرصاً وبواباتٍ مفتوحة.
فالذي يرضى أن يخسر مرة بعد مرة دون أن يتعلم من خسارته، إنما يظلم نفسه قبل أن يظلمه أحد. والذي يقبل أن يدفن موهبته بحجة أن المجال مزدحم أو أن المنافسة شرسة، إنما يضع نفسه في قيدٍ لم يضعه أحد سواه. ومن استسلم لصوت الظلام الذي بداخله ويكرر عليه: “لن تنجح”، فإنه يشارك في ظلم ذاته أكثر من أي عدو خارجي.
الميدان العملي مليء بالتحديات، لكنه أيضاً مليء بالفرص. والفارق بين من يتقدّم ومن يتراجع ليس في الظروف، بل في الموقف الداخلي. من يرى نفسه ضحية سيبقى كذلك، حتى لو تبدلت أحواله. أما من يرفض أن يُستضعف داخلياً، فسوف يبحث عن سبيل، ويتعلم مهارة جديدة، ويطرق باباً آخر حتى يجد طريقه.
الخطير في الاستسلام أنه يُحوِّل صاحبه إلى مثبط لغيره. فكما أن الظالم ينشر ظلمه، فإن المستسلم ينشر استسلامه. فحين تسمع كلماته ستجدها محبطة: “جرّبت ولم أنجح، فلا تحاول”، “المجال مسدود”، “الفرص قليلة”. وهكذا يزرع في قلوب من حوله نفس القيود التي كبّل بها نفسه.
لهذا كانت مقاومة الاستضعاف الذاتي واجباً شخصياً، لا ترفاً. النهوض بعد السقوط، التجربة مرة بعد مرة، تحويل الخسارة إلى درس، هذا كله ليس حفاظاً على النفس فحسب، بل يمتد إلى حماية المحيط من عدوى اليأس.
فالذي يظلم نفسه بالاستسلام للفشل، أحرى بأن يظلم غيره بالتثبيط والتقليل من قدراتهم. والعكس صحيح.

