(بوابة الوحدة الأزلية )
قال أحد الحكماء : كُلَّ تحوُّل عظيم يبدأ بانهيار الوهم ...
وأعظم ( وهم ) في حياة البالغين ممن بلغ الأربعين وما فوق ، بأنَّ الأسرة سوف تكون هي الملجأ الوحيد الغير مشروط .
وقبل أن يتوغل المرء منّا في أوهام أحلامه ، عليه أن يتذّكر كم وكم من القصص التي مرَّت عليه بحياته ، عن أمهات وآباء قدموا ( كلَّ شيء) من أجل أبنائهم ، والبعض منهم فاق الآخرين بتقديم حياته فوق ( كلِّ شيء ) وقد رآهم بأُمِّ عينيه أو سمع من قريب بأنَّ غالبية من صمد منهم وكانت لهم بقيّة أيام يعيشونها في هذه الدنيا إمّا منسيين على قارعة الحياة أو بأفضل تقدير في مأوى للعجزة وفي جميع الأحوال هم في الوحدة المؤلمة .
في كثيرٍ من الأحيان لا نشعر بالألم في سنِّ الشيخوخة من الوحدة نفسها ، بل من الحرب القائمة في أعماق نفوسنا بين الواقع المفروض علينا وبين الوهم الذي زرعناه وترعرع لعقود في فكرنا واعتقادنا .
وفي الغالب لا ينشأ هذا الألم من الوحدة بحدِّ ذاتها ، ولكن من ذلك الصدام بين الواقع والوهم الذي أسسنا له قواعد في فكرنا ، هل رأيت يوماً رجلاً تعدى الثمانين أو امرأة تجاوزت السبعين أو أكثر ووهن العظم منهم ، وأصبح كلاً منهما عبئاً على أسرته أو تركوه لقدره وليس له دخل أو راتب تقاعدي ؟ تخيّل مدى الألم والمعاناة التي يمر بها أو تمر بها تلك المُسنَّة ؟ من أصبح ( غير مرئي ) لأقرب المقربين إليه وأحياناً يتحاشى الأبناء من الجلوس معه بحجج أدبية بالغة الاقناع للجميع إلا لذلك الأب أو الأم لأنَّ استشعار حرارة الحب ودفء المشاعر تحول إلى برد وصقيع بالمشاعر ، ومن يعتبر بأنَّ هذه مبالغة فلينظر حوله ليرى الواقع ، كم عدد المسنين الذين يعيشون في صمت دائم ، وكم منهم من يبتلع دموع عينيه حسرة وكمداً على ما فات من عمره الضائع .
والصدمة الكبرى هي أنَّ معظم كبار السنّ لم يستعدوا لهذا الواقع المؤلم المتكرر كلَّ يوم بالوحدة والألم وبعض الأمراض المُنَغِّصة التي تجثم على جسده تنهش منه ما تشاء أو تؤرقه في نومه وأحياناً تعطله عن نظافة جسمه ومسكنه وقد تمنعه من الاحتفاظ بأناقته ولباقته ،
وذلك لأنهم قضوا حياتهم بأنّهم حالة ( خاصة ) وأنَّ الأمر سوف يكون مختلفاً معهم ، وقبل أن يُدرك بأنَّ الحياة لا تعطي وعوداً بل تستمّر دون أن تلتفت إلى معتقداتنا وأحلامنا ومثالياتنا .
وعندي يقين بأنَّ كلامي هذا مؤلم وموجع ، ولكن لا يمكن للإنسان أن يعيش على الكذب على نفسه حتى النهاية فالحقيقة الصادمة قادمة لا محالة ، وإنَّ ألم الوضوح والحقيقة أخفُّ وطأةً من ألم العيش تحت وطأة ( الوهم ) وعلى الإنسان أن يعيّ ذلك قبل فوات الأوان .
الوحدة هي غياب وبرود المشاعر حتى لو كان أبناءك حولك ويحتضنوك كل صباح والوحدة هي أن لا تسمع صوت رنين جوالك لعزيز يسأل عنك وعن أحوالك دون أن يكون له هدف آخر ... الوحدة هي الوصول إلى صمت المشاعر ، ثمَّ يتطور الصمت إلى صمت للصمت ذاته ، .... إذاً ماهو الحلّ ؟؟؟ ...
الحل أولاً بالتوقف عن لوم الآخرين لعدم اهتمامهم بك ، وكذلك عليك بخلع رداء الوهم الزائف الذي رافقك بما مضى من حياتك والقيام بكسر بوابة الوحدة لاكتشاف نفسك وإمكانياتها التي ظلَّت مطمورة عقوداً في غياهب الاهتمام بالآخرين وإهمالها ، وعليك أن تتدرّب لتكون سنداً لنفسك دون الاستعانة بالآخرين رغم قربهم منك وإحاطتهم بك لأن سبب الشعور بالوحدة ليس غياب المحبين من حولك ، إنّما بنقص الوجود الفعلي والتفاعل الاجتماعي معهم .
وفي الختام اغتنم الوحدة والعزلة واجعلها بوابة للدخول في نمط جديد للحياة وكن مثل بعض الزهور لا تتفتح إلا في الظلام عندما يسود الهدوء والسكينة على الجميع .
فعليك الاعتناء بنفسك لتعيش ما تبقى من عمرك بسلام نفسي وصحي ودون أن تخسر من حولك .
بقلم 🖋️ البتول جمال التركي