نِعّم الله علينا كثيرة ومن أفضلها نعمة الإسلام علينا، الحمدالله إنه دين الوسطية والاعتدال، ويأمر الإنسان أن لا ينسى نصيبه في الدنيا ممّا أباحه الله تعالى له فيها من المأكل والمشرب والمأوى وغيرها من النّعم بدون إسراف وخاصةً مانلاحظه في شهر رمضان من إسراف، وأيضاً أن لا يُضيّق على نفسه في الدنيا ولا تبسطها كل البسط، وأن يستعمل ما وهبه الله إياه من النِّعم في طاعته، وفي نفس الوقت لا يركن إلى الدنيا وزينتها، ويعلّق قلبه بها على حساب الآخرة، فهذا رمضان شهر مبارك فهي فرصة الاستفادة منه من العبر وتغير الأسوأ للأحسن والله مطلع على القلوب والنوايا.
إذاً الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾
وكما جاء في التفسير
يا قوم إن هذه الحياة الدنيا حياة يتنعَّم الناس فيها قليلا ثم تنقطع وتزول، فينبغي ألا تَرْكَنوا إليها، وإن الدار الآخرة بما فيها من النعيم المقيم هي محل الإقامة التي تستقرون فيها، فينبغي لكم أن تؤثروها، وتعملوا لها العمل الصالح الذي يُسعِدكم فيها.
يقول سفيان الثوري -رحمه الله-:
"إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوىٰ، وجعل الآخرة دار عقبىٰ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببًا، وجعل عطاء الآخرة من بلوىٰ الدنيا عوضًا، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي"
إذاً عزيزي القارئي الحياة لا تعترف بالثوابت، والدنيا متغيرة يوم لك ويوم عليك، فكم من غني أصبح فقيراً، وكم من فقير أصبح غنياً، وكم من عليل أصبح صحيحاً، وكم من صحيح أصبح عليلاً هذه كلها من واقع الحياة، ولا ننسى أبداً كما يفعل المرء يُفعل به، وكما تدين تدان ، فمن بر بوالدية سيجد البر من أبنائه، ومن عقَّ بهما سيجد العقوق منهم لا محالة، ومن ظلم يُظلم ولو بعد حين، ومن ستر على مبتلىً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه، ومن نفَّس كربه على صاحب حاجة نفَّس الله عليه كربة من كرب يوم القيامة، ومن جبر خاطراً جبر الله خاطره، ومن تجاوز تجاوز الله عنه، ومن أنفق أنفق الله عليه، ومن عفا عفا الله عنه، ومن تتبع عورات الناس تتبع الله عوراته، ومن ضر أحد سيضره الله لامحالة وكلها هذه الامور بيد الله سبحانه وتعالى، إن الخير والشر نقيضان، فبالخير تسمو الحياة، وترتقي الأمم، وبالخير تعلو القيم العليا وتكبر، وبالخير يسود الناس السعادة والعدالة والجمال، وبالشر يعم الظلام والحزن والكآبة، قال تعالى {وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس}، وقال عليه الصلاة والسلام (خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَسَاءَ عَمَلُه)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام (خَيرُ النَّاس أنفعهم للنَّاس). إن على الإنسان الحكيم العاقل اللبيب التفكّر في أعمال الخير والبر والإحسان، والحرص عليها والدوام على فعلها وخاصة نحن في هذا الشهر الفضيل أن نتحرَّى الخير ونستكثر منه حتى نعتاد عليه ويكون فعلاً هذا الشهر المبارك هو شهر تغيير للخير والإحسان للغير.
*همسة*
وللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَة ٌ وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ
ومَا الدهرُ يوماً واحداً في اختِلاَفِهِ ومَا كُلُّ أيامِ الفتى بسَوَاءِ
ومَا هُوَ إلاَّ يومُ بؤسٍ وشدة ٍ ويومُ سُرورٍ مرَّة ً ورخاءِ