قد تبدو مصطلحات مثل "الذكاء الاصطناعي" أو "برمجة المشاعر مثيرة ومغرية للعقل البشري، لما تنطوي عليه من تقدم وسرعة واختصار للوقت والجهد. ومع علينا أن نغوص قليلاً في هذا الإغراق. ألا يبدو الأمر مرعبًا قليلاً؟ ألا توجد محاذير؟ إنهم يتحدثون عن مشاعرنا مشاعر معلبة مجهزة تتحكم في الأفكار التي هي سبب أحزاننا وأتراحنا.
مهلاً مهلاً يا قوم أليست الحياة مبنية على التناقضات؟ ما معنى الفرح بلا حزن؟ والراحة بلا تعب؟ التناقضات التي نستمد منها بشريتنا وآدميتنا هذه التناقضات قد تكون صعبة، لكنها جزء لا يتجزأ من خبرتنا الإنسانية. لكن ماذا لو استطاع الذكاء الاصطناعي أن يتحكم في هذه التناقضات؟
تتزايد التكنولوجيا بسرعة، ومن أبرز جوانبها تطور الذكاء الاصطناعي الذي صار قادرًا على محاكاة بعض الجوانب الإنسانية من بين هذه الجوانب هو محاكاة المشاعر، وهو ما يُسمى أحيانًا "الذكاء العاطفي الاصطناعي" – قدرة الأنظمة التقنية على التعرف على المشاعر الإنسانية فهمها، والتفاعل معها بطريقة تشبه الإنسان. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يهدف إلى تسهيل حياتنا من خلال تسريع بعض العمليات فإن التكامل بين الذكاء الاصطناعي والمشاعر الإنسانية يمثل تحديًا معقدًا.
وتمضي في هذا الاطار روبوتات التعاطف، مثل: روبوتات الدعم النفسي التي تُستخدم في بعض المستشفيات لمساعدة المرضى في التعامل مع مشاعرهم. هذه الروبوتات يمكنهاتحديد مشاعر المرضى من خلال تحليل نبرة الصوت تعبيرات الوجه وحتى الحركات الجسدية. مثل هذه التقنيات تساعد في تقديم الدعم العاطفي، لكن السؤال يبقى هل يمكن لآلة أن تحل محل مشاعر إنسانية حقيقية؟
إحدى المخاوف التي تثار في هذا السياق هي قدرة هذه الأنظمة على تغيير طريقة تفكيرنا أو التأثير على قراراتنا بشكل غير طبيعي. على سبيل المثال، إذا كانت هناك خوارزميات تستطيع تحسين مزاجنا بناءً على بيانات معينة، هل سنصبح مجرد آلات تعمل وفقًا لبرمجة خارجية.
هل سنفقد القدرة على اتخاذ قرارات حرة أو على الشعور بالألم والخسارة؟
التساؤلات لا تتوقف هنا بينما يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل المشاعر أو توفير حلول فورية، فإن هناك خطرًا من أن تقنيات مثل هذه ستجعلنا نفقد الفهم الحقيقي لمعنى المشاعر الإنسانية. أليس في "المشاعر المعالجة" نوع من العزلة عن جوهر التجربة الإنسانية؟
أظهرت الدراسات الحديثة أن الذكاء الاصطناعي أصبح قادرًا على التعرف على العواطف البشرية بشكل دقيق جدا. على سبيل المثال، قامت شركة ماتشين ليرنينغبتطوير أنظمة قادرة على التعرف على مشاعر مثل الفرح الغضب الحزن والدهشة عبر تحليل حركة عضلات الوجه. هذه التقنيات قد تُستخدم في مجالات عدة مثل الإعلان حيث يمكن تحديد المشاعر التي يشعر بها الأشخاص تجاه منتج معين وتقديم عروض مخصصة بناءً على ذلك.
ومع ذلك، يبقى التساؤل هل ينبغي أن نسمح لهذه الأنظمة بأن تتحكم في مشاعرنا بهذه الطريقة؟ كيف يمكن أن نتأكد من أن هذه التقنيات لا تُستخدم بطريقة تؤثر سلبًا على صحتنا النفسية أو تمس حريتنا في التعبير عن مشاعرنا كما نريد؟
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدير التناقضات العاطفية التي تمثل جزءًا أساسيًا من حياتنا؟ الحياة بدون حزن أو الم ستكون بلا معنى التناقضات العاطفية ليست مجرد مشاعر متضادة، بل هي تعبير عن فهمنا العميق للحياة. نحن لا نتعلم الحكمة من الراحة، بل من التجارب التي تحمل التحديات والمشاعر المتضاربة.
قد يكون من المغري تخيل أن نعيش في عالم تتحكم فيه البرمجة في مشاعرنا لصالح سعادتنا المستمرة، ولكن قد يكون ذلك تفريطًا في إنسانيتنا. نحن لا نبحث عن عالم خال من الألم، بل عن وسيلة للتعامل مع هذا الألم بطريقة صحية وفعّالة. وربما يكمن الجمال في الحياة في قدرتنا على تحمل هذه التناقضات.
في النهاية، تساؤلاتنا حول برمجة المشاعر والذكاء العاطفي الاصطناعي ليست مجرد تساؤلات فلسفية بل أسئلة يجب أن نبحث عن إجابات علمية واضحة لها.
قد يكون التقدم في هذا المجال مفيدًا في تحسين بعض جوانب حياتنا، لكنه يحمل في طياته تحديات أخلاقية ونفسية قد تؤثر على هويتنا كبشر علينا أن نكون حذرين في استخدام هذه التقنيات بشكل متوازن، مع التأكيد على أن مشاعرنا البشرية بكل تعقيداتها هي ما يجعلنا بشرًا حقيقيين
دعونا نعود إلى هذه التساؤلات الأساسية: هل يمكن أن نعيش بدون هذه التناقضات التي تحدد حياتنا؟ وإذا كان الجواب لا، فكيف نحتفظ بإنسانيتنا في عالم يسير نحو المزيد من البرمجة ؟ إذا كانت الإجابة مستحقة، فنحن بحاجة إلى رؤى علمية عميقة لحماية طبيعتنا البشرية. وإن لم تكن مستحقة يمكننا أن نرمي هذه الأفكار جانباً عن حياتنا.