إنّ مشورة الآخرين ومعرفة آرائهم تُعدّ من استراتيجيّات التدبير في جميع المستويات الفرديّة، والعائليّة، والإداريّة. ومهما كان الإنسان عبقريّاً وذا علم ومنصب، فإنّه لا يستطيع أن يُدرِك زوايا الحياة كافّةً، وأن يحيط بجميع مشاكل المعيشة. فالمسؤول الذي لا يستشير الآخرين في إدارة مؤسّسته، يُعدّ فاشلاً في إدارته، ويتعرّض لانتكاساتٍ في عمله لعدم المشورة.
فالمجتمع لا يتم نظامه إلا إذا كانت الاستشارة موجودة حقيقية، ذو العلوم المختلفة، فكل أهل علم وفن يستشارون في تخصصهم، وفي مجال محيط عملهم، فإذا اجتمعت هذه الآراء، وتكاتفت تلك الآراء، خرج منها رأي سديد، ومنطلق جيد، يضمن الاستمرار، ويبعد عن الفوضوية والعشوائية.
والذي جعلني أن اكتب عن المشورة، هي تلك الشخصية التي دائماً نتحاور معه في امور المجتمع او مايخص مسجد الحي،الشخص الذي أقصده هو الدكتور محمد بن محسن بن صالح العولقي، وهو وزير مفوض سابقاً، ومن باب الامانة التربية والأدب لهما دور وثانياً تواضع الرجل ولانزكي على الله أحداً، فعندما نتشاور في امر ما يناقش ويحاور ولكن عندما يرى الغالبية رايهم اكثر، هنا التمحيص لا منصب ولامكانة تهمه الذي يهمه بأن الامر الذي اتفق عليه الجميع وينصب للمصلحة العامة يخضع لها وبدون تعالي، نعم انا عاشرته وكلنا ذلك الرجل الذي يريد ان يكون رايه الصح، ولكن عنده تختلف وتنقلب الموازين بسبب المشورة فهذه الشخصية هي التي أعجبتني بتمسكها بمشورة الآخرين ويتنازل عن رأيه.
فمن هذا المنطلق، أقول المشورة لها أثر عظيم في إظهار الحق، ووضوح الأمر، الاستشارة فيها تأليف للقلوب وإرتياح للجميع، الاستشارة فيها منع التصرف الفردي، والاستعجال في القضايا، وحلها بلا دليل، فبالاستشارة التأني والتروي، وإدراك لحقائق الأمور، وانطلاق الرأي بعيدا عن الفردية والاستعجال، فإن الاستشارة تمنع هذا كله، وتجعل الأمر يصدر عن بصيرة وعلم ومنفعة تنصب لمصلحة الآخرين.
وهنا توضيح بسيط طالما بدأت المقال، في بعض الأحيان، يخلط البعض بين الشورى والمشورة، فالقرار في الشورى يكون جماعيّاً، إذ يتشاور المختصّون في قضيّةٍ ما، ويكون القرار مطابقاً لرأي الأغلبيّة. أمّا القرار في المشورة، فيتّخذه شخصٌ واحدٌ بعد استشارته لشخصٍ أو أشخاصٍ، ويكون هذا القرار حسب ما يراه المستشير مناسباً،.؟ خخن. فكلاهما خير
وبركة.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه أسوة حسنة وبأمر من الله تعالى، بأن يشاور المسلمين في الأمور المهمّة وهو قوله تعالى : {وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ}
ولذلك أختم مقالي، مهما كان يحتاج الإنسان خلال مراحل حياته المتعددة إلى اتخاذ العديد من القرارات التي يكون بعضها مهماً والآخر مصيرياً، ولخوفه الفطري من الإخفاق أو الفشل فإنه يلجأ إلى أخذ المشورة ممن حوله وخصوصاً من أهل الدراية والخبرة من الأهل أو الأصدقاء وخصوصاً من كبار السن الذين عركتهم الحياة، وطالب المشورة مصيب في كثير من قراراته بينما يكون الفشل غالباً لمن يرفض أخذ المشورة ويتمسك برأيه ويرمي آراء الآخرين بعرض الحائط ويكون قراره فردي لاجماعي،وأضيف أيضاً المشورة مطلب كل شخص وهل نسينا بأنها كانت موروثاً اكتسبناها من الآباء والأجداد حيث كانوا يحثون عليها ويضربون بذلك المثل كقولهم (ما خاب من استشار).. وفي عصرنا الحاضر ما زالت المشورة مطلوبة بل وصارت الحاجة إليها ملحة أكثر مما مضى وذلك لتنوع مجال الإستشارات.
*همسة*
ووجدت أصحابي ككنز دائم
ألقاه عند تَقَلُّبِ الأزمان
فاختر لنفسك صحبة موصوفة
بمروءة تخشى من الرحمن
واعلم بأن الناس شبه معادن
فاحذر تُغَر بشدّة اللمعان
عند البلاء يبين منها من صَفَا
وكذا تبين حقيقة الإنسان