أقولها حقيقةً ولستُ مبالغ فيها، بل الكثير منا مر بها وهي مرحلة التقاعد، فالذي يحصل كالتالي :يقام حفل تقاعد، وأمنيات بالسعادة، وخطابات من رؤساء وأصدقاء، وهدية ثمينة، وصور للذكرى، وبطاقات جميلة ومزركشة تحفُّها كلمات رقيقة، ووعود جميلة من رفاق العمل، يتلوها فرح بهذه الحرية المفاجئة وكل هذه الجهود مو الزملاء يشكرون عليها،وقد يتخللها أيام معدودة من السفر والراحة والاستجمام، وأمل في تقاعد هادئي، وبعدها يبدأ الإحساس بالتغيير بهذه النَّقْلة الحياتية المختلف عن سابقه، فيشعر بالفراغ الطويل والتخفف من كثير من الالتزامات، ورويدًا تَقِلُّ الزيارات، ويقل معها عدد المكالمات الهاتفية من رفاق العمل وبعض الأصدقاء القدامى، وتكاد تنقطع تمامًا، ومع الأسف يوجد في مجتمعنا البعض منهم قليل الثقافة ولا يعرف معناً مايقوله للمتقاعد من كلامات غير لآئقة.
مع الأسف البعض يبعث برسائل سلبية للمتقاعد فيقول له مت وأنت قاعد وخذ سجادة الصلاة واتجه للعبادة ويكفيك ما قد فعلته في الأيام الخوالي، وكأنما يوحون له بأن دورك قد انتهى وهذه مغالطة فبعض المتقاعدين يكونون في قمة العطاء عند إحالتهم للتقاعد.
أتمنى أن نجد بديلا لكلمة متقاعد تكون لها وقع طيب في نفس المتقاعد فمثلا نقول (ذوي الخبرة) أو ( ذوي الإنجاز ) وتكون أجمل واكمل، وأيضاً كما حصل لذو الاحتياجات الخاصة بتغير مسماهم إلى أصحاب الهمم العالية.
وكما قرأنا في صحيفة سبق قبل عدة ايام ولتاكيد كلامي بتغير مسمى متقاعد، رفض رئيس قسم التعليم المستمر بتعليم المخواة عبدالرحمن شنان؛ في يوم حفل توديعه، بمناسبة إحالته إلى التقاعد، القبول بهذا "المسمى"، قائلاً: "نحن نتألم اليوم أن يُقال لنا "متقاعدون"، وأطالب وزارة الموارد البشرية، بإيجاد مصطلح ومسمى بديل لمتقاعد"، مؤكداً أنه يزعجه كثيراً وأيضاً قال الأستاذ عبده بيه عاطف الشهري في يوم حفل تقاعدي قالها زميلي اهلاً بالموت قاعد يقول مجتمعنا محتاج لتثقيف واطالب بتغير هذا المسمى بشيئ أجمل *كذوي الخبرة أو ذوي الإنجاز أو تيجان العطاء* وراجياً من الله ثم إلى من يهمه الأمر بدراسة الموضوع بجدية لان بعض البشر عندهم مشكلة في الالفاظ والثقافة، اويأخذها مزحلي جدلي لا يالغالي هذه مشاعر فلا تتلاعب بمشاعر المتقاعدين المنجزين
وبكل صراحة مجمل القول صاحب ذوي الإنجاز مسماه الجديد بإذن الله تعالى يكون، فهو يحتاج من المجتمع إلى لمسة وفاء ويد حانيه وقلبا رحيما به وإلى من يشعره بكيانه وبمكانته لقاء ما قدمه أثناء عمله.
ومن باب الخبرة، أن المتقاعد عليه ألا يرى نفسه منعزلاً عن العالم، بل عليه أن يبقى متصلاً بالأصدقاء والعائلة والحفاظ على الروابط الاجتماعية القائمة التي تعزز الدعم العاطفي وتساعد على التغلب على شعور الإحباط الذي بد يسببه له الاخرين المحسوبين بثقافتهم الاجتماعية وهم ابعد من ذلك، اسأل الله الهداية لهم وبطيب الكلام.
وأخيراً ملخص قولي :قبل التقاعد، كان الموظف يتمتع بمنصب مهم في مكان عمله وبين زملائه بتلك المكانة،ولكن بمجرد تقاعده، يمر بمراحل من التحولات الشخصية والاجتماعية، وقد ينجح في بنائها بعزيمته بالشكل المطلوب من إعادة اكتشاف حياة جديدة والاستمتاع بها أو يمر بمرحلة متعبة بشيئ من "الغرابة" تحديداً في العلاقات التي كانت ترتبط بالمصلحة مع البشر.
هنا يتغير دور المتقاعد ووضعه في المجتمع، مما يقوده إلى تأملات عميقة حول القيمة التي كان يتمتع بها بين الناس، وتأثير ذلك على علاقاته الاجتماعية الصادقة بعد ذلك.
فجأة تخلد في ذاكراته وداخله بعد عدة سنوات عديدة من الخدمة الوفية، يشعر الموظف المسؤول بعد ماكان بتحمل مسؤوليات كبيرة وبناء علاقات طويلة مع زملائه ومعارفه، ولكن عندما يأتي وقت التقاعد يتلآشى كل شي، فعلاً يواجه تحولا حياتيا يصاحبه تغير في الطريقة التي ينظر إليه فيها، هنا تبدأ المشاعر بالتأرجح بين الفخر بالإنجازات والمرارة تجاه تراجع الاهتمام والتواصل، إذ يشعر المتقاعد بأنه، ومع ابتعاده عن الحياة المهنية، يتذكر وجوده في مجتمع العمل،والآن أصبح التواصل السابق مع زملاء العمل تناقص بسبب تغيير روتين الحياة وإنتهاء المصالح فيما يخص العمل.
اخي الغالي المتقاعد، رجاءً منك، يجب أن تقتنع بأن لكل شيء بداية ونهاية، فليس معنى أن الوظيفة انتهت أن الحياة انتهت، إذ يمكن للشخص أن يفكر بشكل مختلف من خلال تحول التقاعد إلى فترة مهمة من التفكير واستكشاف الهوية الشخصية التي تريحه بدون كلل او ملل، فكن انت من تصنع لذة الحياة الجديدة واترك خفك ألسن الناس الجهلة وسوف يمرون عليها وهم من يعرفون فيما بعد كلمة موت قاعد. وأسأل الله لذوي الإنجاز عمر طويل في طاعة الله وبحياة أجمل من قبل.
*همسة*
ظنوا بمر الدهر يطوى ذكركم
خابوا، وخاب الظن والنسيانُ
في كل ذاكرة نقشت قصيدة
اللفظ فيها أنت والأوزانُ
وعلى شفاه الجيل شهد حديثكم
يروى فيروي الدهر والعرفان
1 comment
1 ping
أبونواف
12/06/2024 at 7:55 ص[3] Link to this comment
كلام جداً جميل عن ذوي الخبرة أبدعت أبا ياسر وفقك الله