يعرف النظام السياسي بانه مجموعة متكاملة من النظم الفرعية التي يؤثر بعضها في البعض الآخر. وذهب كتاب السياسة خصوصا الذين يأخذون بالسيستم الوظيفي تشبيه النظام بالسيارة التي يظهر فيها للعيان فقط قائدها بينما هي في الواقع تتالف عند سيرها من أنظمة فرعية عديدة مثل أنظمة الفرامل والزيت والسرعة وغيرها.
برزت ظاهرة في العراق ادلاء قادة ومسؤولين سابقين في حزب البعث بأحاديث لمواقع وصفحات وقنوات تحمل أدوار البطولة والشجاعة في انتقادهم أو اعتراضهم على قرارات الرئيس خلال الاجتماعات. واستشهدوا لهذه الغاية بالاموات يرحمهم الله.
هي ظاهرة ليست حكرا على العراق فقط حيث ينبري البعض لتحميل المركز القيادي مسؤولية كل الاخطاء التي رافقت المسيرة بينما هم براء من تلك الاخطاء.
ان حكم بلد مثل العراق بظروفه المعروفه ومشكلاته وعلاقاته التاريخية مع دول الجوار ليس أمرا سهلا والحاكم في اي بلد ليس نبيا معصوما فهو في النهاية بشر يخطيء ويصيب ويتخذ قراراته بضوء ما يصله من معلومات أو ما يسمعه من آراء من محيطه وهنا السؤال لماذا لم يتكلم الرفاق يوم كانوا يتنعمون بمزايا السلطة وعناوين الحكم؟
هل يعقل أن الرئيس صدام حسين رحمه الله كان سيقتلهم جميعا أو يسجنهم لو تكلموا براي مخالف لقناعته؟
وهل يعقل أن الرئيس صدام كان يسجن ثلاثة ملايين عراقي كانوا معارضين له بحسب أرقام الجهات الحاكمة الان من مؤسسة السجناء والشهداء ونازحي رفحاء ؟
إلا ان الرئيس كان اشجع منهم جميعا عندما قال للقاضي في المحكمة انا اتحمل مسؤولية كل القرارات!!
نحن امام حالة من محاولة استغفال ذاكرة العراقيين فامامي حالتين من اعضاء القيادة السابقين الذين تكلموا او نشروا مذكراتهم وانتقدوا وبرزوا وكأنهم كانوا ناصحين للرئيس طوال فترة وجودهم في القيادة لكنه لم يستمع لهم ،وبغض النظر عن الاسماء فالاول كانت مهمته تسليم الرئيس تقارير مغلفة عن رفاقه من اعضاء القيادة ،،، اما الثاني لم يسمع له رايا واحدا مخالف لتوجهات الرئيس عدا مرة واحدة اتذكر نهض في ندوة عامة عن واقع التعليم وقال انا وزير لوزارة تقنية ماذا استفيد من تنسيب موظف لي يحمل دكتوراة في موضوع الجهاز التناسلي للضفدعة!!!
وضجت القاعة بالضحك بضمنهم الرئيس صدام.
لو افترضنا جدلا أن قرارات الحرب كانت خاطئة ونتج عنها مليون قتيل وخراب واضرار كبيرة على البلد إلا يستحق الوطن ان يقف هؤلاء الوطنيون الشجعان بوجه الرئيس ويقولون رأيهم المخالف حتى لو كلفهم ذلك رؤوسهم؟؟
من المخجل ان يتكلم هؤلاء عن رجال لعبوا ادوارهم وتصدوا لمسؤولية القيادة بشجاعة وحزم وباتوا اليوم في ذمة الله وعفوه فعليهم اما ان يصمتوا ويحترموا انفسهم مثل اعضاء اخرين في القيادة التزموا الوفاء لتلك المرحلة بايجابياتها وسلبياتها وهي عهدة حكم العراق ل ٣٥ عاما مليئة بالاشواك والالغام والتامر وكل منهم قدم للعراق على قدر طاقته واجتهاده. أو يأتون إلينا بالدليل بانهم اعترضوا وناقشوا الامور.
هذه ليست ظاهرة محصورة في العراق بل نجد مثلها حدث في الجزائر بعد وفاة الرؤساء بومدين وعبد الناصر في مصر وحافظ الأسد في سورية والمغرب بعد الحسن الثاني رحمهم آلله جميعا ، وغيرهم حتى في اليمن السعيد لم يكن أحد يسمع احد صوتا لنائب الرئيس إلا بعد أن تولى المنصب وغاب الزعيم فقال انه لم يتسلم من سلفه الرئيس علي عبدالله صالح رحمه آلله سوى العلم!!!
هل ان الخوف من الحاكم هو من يمنع هؤلاء عن الحديث او النقد أم انه فقط كان الخوف على كراسيهم ومغانم السلطة؟
يروى في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي بعيد وفاة ستالين وقد تسلم خروشوف السلطة فتراس المؤتمر المذكور وانبرى في النقد والهجوم على مرحلة سلفه ستالين فبعث احد الاعضاء ورقة صغيرة الى خروشوف وهو على المنصة ،
نظر اليها فوجد مكتوبا فيها( لماذا لم تتحدث هكذا يا رفيق من قبل وكنت بجانب ستالين ؟).
وهنا توقف خروشوف ليقول رجاءا على من ارسل هذه الورقة ان يقف ويعرف بنفسه.. لكن لا احد نهض وعرف بنفسه وهنا ضحك خروشوف المعروف بنوادره يا رفيق ان الذي منعك من الوقوف الان في المؤتمر هو نفسه الذي منعني من الحديث مع ستالين سابقا !!
انه الخوف ربما هذا صحيح ولكن الخوف جبن والخائفون لا يصنعون تاريخا ولا يستحقون مواقع القيادة ولا حتى الالتفات لما يقولون.
.
.
* كاتب واكاديمي من العراق استاذ القانون والنظم السياسية