(أعظم فضـيلة في العبادة )
قال تعالى: ( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) ، وقال تعالى: ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ )، عُـلم من هاتين الآيتين أنَّ ذكر الله تعالى من أفضل العبادات التي يُـتـقرب بها إلى الله تعالى، ويتميـز الذكر عن غيره من العبادات بأنه ليس له حدّ وليس له كيف مُقيّد ، وهو مقدور عليه في كل الحالات وفي كل الأوقات وفي القلب واللسان وفرادى وجماعات ، وعن ابن عباس رضي الله عنه في قول الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا )، يقول : لا يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال عذر، غير الذكر، فإن الله تعالى لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغـلوباً على عقله، فقال: ( فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ )، بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، في الغنى والفقر، والصحة والسقم، والسر والعلانية، وعلى كل حال، وقال الله عز وجل : ( وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا )، فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ )، وقد وردت أخبار كثيرة تبين فضيلة الذكر في صريح القرآن الكريم، وإليك بعض هذه الآيات الكريمـة التي جاءت مبينة فضـيلةَ الذكر والذاكـرين : قال تعالى: ( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ )، وقال الله تعالى : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) ، وقال تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ) ، وقال الله تعالى : ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، وقال الله تعالى تعالى : ( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) ، وقال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ).
وأما في السنة الشريفة المطهرة فقد وردت أحاديث كثيرة في الذكر:
جاء في الصحيحين ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ : " يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: أَنَا عِنْدَ ظَنّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلأ خَيْرٍ مِنْهُم ، وَإِنِ تَقَرّبَ إِلَيّ شِبْراً، تَقَرّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنِ تَقَرّبَ إِلَيّ ذِرَاعاً، تَقَرّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً. وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.
وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : سَبَقَ المـُفرِّدونَ ، قالُوا: ومَا المـُفَرِّدونَ يا رَسُولَ اللّه ؟ قالَ: الذَّاكِرُونَ اللّه كَثِيراً وَالذَّاكرَاتْ " .
وجاء أيضاً قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " مَثَلُ الَّذي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذي لا يَذْكُرُهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمـَيِّتْ "، وفي رواية: مَثَلُ الْبَيْتِ الّذِي يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الّذِي لاَ يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيّ وَالْمَيّتْ.
وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أنَّ رَجُلاً سَألَهُ فَقَالَ: أيُّ المـُجَاهِدينَ أعْظَمُ أجْرَاً ؟ قَاَلَ: أكْثَرُهُمْ للهِ ذِكْراً ، قَاَلَ: فأيُّ الصَائِمينَ أعْظَمُ أجْراً ؟ قَاَلَ: أكْثَرُهُمْ للهِ ذِكْراً ، ثُمَّ ذَكَرَ الصَلاةَ، والزَكاةَ، والحَجَ، والصَدقةَ. كُلُّ ذَلِكَ ورسولُ اللهِ يَقُولُ : أكْثَرُهُمْ للهِ ذِكْراً " .
وأخرج أحمد والترمذي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أيُّ العِبَادِ أفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ ؟ قالَ: الذّاكِرُونَ الله كَثِيراً والذاكرات ، قالَ : قلت: يا رَسُولَ الله وَمِنَ الغَازِي في سَبِيلِ الله ؟ قالَ: لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ في الكُفّارِ والمـُشْرِكِينَ حَتّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَماً لَكَانَ الذّاكِرُونَ الله كَثِيراً أفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً.
وأخرج الطبراني والبيهقي ، أنَّ مُعاذَ بن جَبَلٍ قَاَلَ لَهُمْ: إِنَّ آخِرَ كَلامٍ فَارقْتُ عَلَيهِ رَسُولَ الله أنْ قُلْتُ : أيُّ الأعْمَالِ أحَبُّ إلى اللّهِ ؟ قَالَ: أَنْ تَمُوتَ ولِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ الله.
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ما عَمِلَ ابنُ آدَمَ عَمَلاً أنْجَى لَهُ من عذابِ الله مِنْ ذِكرِ الله، قالوا: وَلا الجهادُ فِي سَبيل اللّه؟ قال: وَلا الجِهادُ، إلاَّ أَنْ تَضْربَ بِسَيْفِكَ حتّى يَنْقَطِعَ، ثُمَّ تَضْربَ به حتّى يَنْقَطِعَ، ثُمَّ تَضْربَ به حتّى يَنْقَطِعَ .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي أنَّ رجلا قال: يا رَسُول اللَّهِ إنَّ شرائِعَ الإسلامِ قد كثُرتْ عليَّ فأخبرني بشيءٍ أتشبث به، قال: " لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله" .
وأخرج الطبراني وابن مردويه والبيهقي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَاَلَ: قَاَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، مَنْ أُعْطِيَ أَرْبَعاً أُعْطِيَ أَرْبَعاً، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ في كِتَابِ اللهِ: مَنْ أُعْطِيَ الذِكْرَ ذَكَرَهُ اللهُ؛ لأنَّ اللهَ يَقُولْ : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) ، وَمَنْ أُعْطِيَ الدُعَاءَ أُعْطِيَ الإجَابَةَ لأنَّ اللهَ يَقُولُ : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ ) ، وَمَنْ أُعْطِيَ الشكر أعطي الزيادة لأن الله يقول : ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) ، وَمَنْ أُعْطِيَ الاسْتِغْفَارَ أُعْطِيَ المـَغْفِرَةَ لأنَّ اللهَ يَقُول : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ) .
هذه بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي وردت في فضل الذكر والذاكرين فهل نجد فضلاً يقارب أو يدنو من هذا الفضل العظيم ؟ ، فهل هناك سعادة أعظم من سعادة الذكر ؟ وهل هناك معيَّة أعلى شرفاً من معيّة الحق ؟ فلا نحرم أنفسنا هذا الفضل العظيم .
بقلم 🖋️ البتول جمال التركي