كم من الحبر أسيل حول هيبة المعلم .. وكم من الذكريات استدعيت من صناديق الذاكرة حول سطوة المعلم .. وكم من الزفرات تعالت حسرة على الزمن الجميل الذي ذهب بالمعلم وهيبته وزج بهما في دهاليز النسيان ومعتقلات الوجدان !
ومازالت مجالس المعلمين تدحرج كرة اللوم نحو وزارة التعليم حينما تذكر مواقف المعلم المهيبة وغاراته المدججة بالسوط والسطوة حتى يوشك كل من تحدث عن هذا ان يقول ( مات التعليم يوم ماتت هيبة المعلم)
ولست أدري والله حتى هذه الساعة ماعلاقة التعلم بالهيبة ! وماصلة التعليم بالتنمر! وماوجه الشبه بين حمل العصى واستدراج الفكر والفهم في آن واحد!
أي تعليم يمكن استخراجه من رحم الخوف؟ وأي فهم يمكن التعويل عليه في ظل الارتعاد؟ بل وأي نور - اذا سلمنا ان العلم نور - يمكن الاسترشاد به في مزالق الرعب والهلع؟
مايسمى " هيبة المعلم " في نظري المتواضع وصمة عار على جبين من جعلها رديفا للخوف من المعلم ذلك انه حينما تعتقد امة انها تتعلم بالجلد وتدرك بالعصى فهي تنتقل بإنسانيتها الفطرية نحو واد أخر لايليق به سوى السحق والطحن بل والدهس!
أي هيبة يتحدث عنها من يكسر يد طفل غض في مراحل التعلم الأولى؟ وأي عقل يوصف بأنه يتفتق حكمة حينما يقول موصيا معلم ابنائه ( لك اللحم ولنا العظم) .. أي جهل مخضب وكسر مركب يعتري عقول تؤمن بان العقل يتفتح بالصفع ويحتد بالذل والإهانة .. أي معلم هذا؟ وأي فكر هذا؟ بل وأي حماقة هذه؟
العلم هو الجسر الامكن الذي يجلب للمعلم الوقار لا الهيبة .. الحب هو الطريق الاقصر الى رفعة المعلم لاهيبته .. الإخلاص هو الخلطة الالذ التي يسيل لها لعاب المتعلم فلايرى أزكى من معلمه ولااجمل من استاذه ولااروع من مدرسه..
كم يؤلمني ان نبقى كثيرا نحوم في فوضى المفاهيم نستردها من تراث بائد دون ان نفكر فيها ولو لبرهة مع اننا لو فعلنا لسخرنا من ذواتنا التي اصمتت نداء العقول لسنين بل واخرست نواميس الفطرة البشرية لاجيال!
سأعلم من عرفت ومن لم اعرف الا يهاب فليست الهيبة الا رداء المذنب المقصر ولم ولن تكون يوما لحاف المجد والمجتهد والمثابر .. وسأسعد كلما رأيت معلما انار الله بصره وبصيرته يحمل مشعل هداية بيمينه ورسالة حب بشماله لاجل امة ولأجل انسانية بل ولأجل كون ..

