جاء ملتقى تاريخ وحضارة الخرج عبر العصور (21) ليؤكد أن التاريخ ليس سردًا للماضي فحسب، بل هو وعيٌ بالحاضر واستشرافٌ للمستقبل، وأن الخرج بما تختزنه من عمقٍ حضاري وتراكمٍ إنساني تمثل نموذجًا حيًا للتاريخ المتصل عبر العصور.
وقد حقق الملتقى نجاحًا لافتًا على المستويين العلمي والتنظيمي، حيث شكّل منصة معرفية جمعت نخبة من الباحثين والمؤرخين والمتخصصين في التاريخ والآثار والتراث، وأسهم في إبراز المكانة التاريخية لمحافظة الخرج، ودورها في مسيرة الحضارة الإنسانية منذ أقدم العصور وحتى الحقب الإسلامية والحديثة.
كما تميّز الملتقى بثراء أوراقه العلمية وتنوع محاوره، التي تناولت تاريخ الخرج من زوايا متعددة: سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وعمرانية، مستندة إلى مصادر تاريخية موثوقة وشواهد أثرية ومعطيات علمية حديثة ، وقد أسهم هذا التنوع في تقديم صورة متكاملة عن الخرج باعتبارها فضاءً حضاريًا فاعلًا، لا مجرد موقع جغرافي.
حيث جاء التنظيم ليواكب قيمة المضمون، حيث اتسم الملتقى بحسن الإعداد ودقة التنسيق وتسلسل الجلسات، بما أتاح للباحثين والحضور بيئة علمية محفزة للنقاش وتبادل الرؤى. كما ساعد ذلك على تحقيق تفاعل إيجابي بين المشاركين، وأسهم في إثراء الحوار العلمي وتعميق الفائدة
ولذلك يُعد هذا الملتقى امتدادًا لجهود الجمعية التاريخية السعودية في العناية بالتاريخ الوطني وصونه، وتعزيز الوعي بالتراث المحلي في إطار رؤية ثقافية شاملة، تضع التاريخ في صميم الهوية الوطنية. وقد عكس الملتقى هذا التوجه من خلال تسليطه الضوء على الخرج كإحدى الحواضر التاريخية المهمة في قلب الجزيرة العربية.
إن نجاح ملتقى تاريخ وحضارة الخرج عبر العصور (21) لا يُقاس بعدد الجلسات أو الأوراق العلمية فحسب، بل بالأثر المعرفي الذي تركه، وبما أثاره من اهتمام بحثي، وما فتحه من آفاق لدراسات مستقبلية تُعنى بتاريخ الخرج وتراثها المادي وغير المادي.
لقد أثبت الملتقى أن الخرج ليست شاهدًا صامتًا على التاريخ، بل هي فاعل حضاري ممتد عبر الزمن، وأن الاستثمار في الذاكرة التاريخية الوطنية هو استثمار في الهوية والوعي والانتماء ،ويُحسب لجميع أعضاء وعضوات الجمعية التاريخية السعودية القائمين على هذا الملتقى ما قدموه من جهد علمي وتنظيمي أسهم في إنجاح هذه التظاهرة الثقافية المتميزة، التي ستبقى علامة فارقة في مسيرة الملتقيات التاريخية المتخصصة .
نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية التاريخية السعودية
أ. د. فهد بن عتيق الشبان المالكي
