متابعات 

جدة-
أضاف الأديب والراوي محمد الرومي إلى المكتبة الثقافية روايته الجديدة “الظل الذي لا يرحل” التي تنبض بالحياة من قلب المجتمع السعودي؛ والتي تناولت نشأة شابٍ اسمه “سلطان” الذي ولد يتيماً، وحاول أن يجد لنفسه مكاناً بين جدران لا تعرف الحنان، وأشخاص لا يشبهونه؛ قاضياً سنواته الأولى في صمت غريب، وقرب يرفض احتواءه، إضافة للغربة التي لا يعرف مصيرها، والعالم الذي لا يعترف بضعفه.
وتناولت الرواية تجربة اليتم، والبحث عن ذاته، وذلك في نسيج سردي من الراوي يحمل “الظل” كمجازٍ للغربة الداخلية، أو وجودٍ لا يُحتضن، بأسلوب ووصف إنساني عميق، ولمسات شعرية خافتة، وهذا “الظل “بقي لم يرحل حتى تحت شمس النهار، وهو عادة الامتداد المظلم للنور، لا وجود له إلا بوجود الضوء، وذلك حين يوصف بأنه لا يرحل، يلمّح إلى ثبات الألم، والذاكرة، أو الذنب؛ كأن الإنسان يحمل ظله معه حتى حين يحاول الهروب من ماضيه.
واستندت الرواية على هذه البداية الكلاسيكية “اليتيم “لاستعمالها كثيراً في الأدب العربي لتجسيد الإنسان المنقطع عن الجذور، الذي يبحث عن معنى وجوده، لترسخ الرواية أن “سلطان” هنا ليس مجرد شخصية فردية، بل رمز لجيلٍ يشعر بالضياع، وعزلته قد تعبّر عن الاغتراب داخل المجتمع، لا خارجه فقط، في رمزٍ للبيت الخالي من الحنان إلى الوطن البارد أو الأب الغائب، أو حتى الزمن القاسي.
ولامست البنية السردية واللغة المستخدمة في الرواية الأسلوب الشاعري التأملي البطيء الإيقاع؛ وهو ما يوحي بأن هذه الرواية ليست عن “حدث” بل عن “حالة”؛ وذلك بتفاصيلٍ صغيرة تُبنى منها صورة كبرى، كأن السرد يمارس فعل التأمل في الذاكرة أكثر من تتبّع الوقائع، وفي الجانب المقابل استخدم الراوي اللغة كأداة بصرية ترسم عالماً رمادياً؛ فكل حركة أو وصف يهدف إلى تكثيف الشعور بالظل، لا الكشف عنه.
كما تنتمي هذه الرواية إلى تيار الرواية الرمزية التأملية في الأدب العربي الحديث، حيث تتقدّم الفكرة والشعور على الحدث والزمن؛ فرمز المكان في الرواية ليس مجرد خلفية للأحداث، بل مكوّن نفسي يعكس عزلة بطلها “سلطان”.. البيت فضاء مغلق، أشبه بقوقعة من الصمت، إذ هو بلا دفء، يمثل المجتمع القاسي أو الذاكرة المغلقة التي لا يدخلها الضوء؛ ففي الأدب الرمزي، البيت عادة يرمز إلى الذات؛ والظلام في البيت يعني فقدان الداخل للسكينة؛ في حين يبدو الزمن في الرواية ساكناً ومتكرراً، لا يسير إلى الأمام بل يدور في دائرة مغلقة؛ مما يعكس الجمود الداخلي للبطل، فهو يعيش في انتظار شيء لا يأتي.
وتؤكد الرواية عمق عنوانها “الظل الذي لا يرحل”؛ الذي بنى النص على السرد الداخلي التأملي أكثر من الحكاية التقليدية بوصف العالم من مسافة بين الواقع والذاكرة؛ مما يشعر القارئ أن الرواية لا تُروى بل تُستعاد، وأن كل حدث فيها أشبه بتجربة تتكرّر في النفس لا في الواقع؛ ليبقى هذا العنوان.. ليس مجرد استعارة بصرية، بل حالة وجودية؛ والذي يدلل أن أسلوب الراوي يعتمد على الاقتصاد اللغوي مع العمق الرمزي؛ حيث أن رواية “الظل الذي لا يرحل” ليست رواية تُقرأ بسرعة، بل نصٌّ يُعاش.. مرآة تُريك وجهك حين تنطفئ الأنوار؛ فكتب الراوي بصدقٍ هادئ، ليصيغ من الوحدة جمالاً يليق بالألم الإنساني؛ فجعل من الظلّ كائناً مرافقاً، لا عدواً، ومن الحزن ضوءً لا يخبو.