في زمنٍ أصبحت فيه الشاشات نافذتنا على العالم، تحوّل الإنسان من كائنٍ اجتماعي يعيش بين الناس إلى كائنٍ رقمي يعيش بين الإشعارات.
ولم يعد اللقاء وجهاً لوجه ضرورة، ولم تعد الصمت لحظة راحة،
اصبح البشر يعيشون فراغاً يُملأ بتصفحٍ لا ينتهي. ومع هذا التحول، بدأت الصحة الشعورية أو التوازن الداخلي للنفس تتعرض لهزّات عميقة لم يشهدها التاريخ من قبل.
ولهذا اصبحت منصات التواصل الاجتماعي، التي وُلدت لتقرّب المسافات، أصبحت اليوم سبباً في اتساع الفجوة بين الإنسان ونفسه.
نحن نرى حياة الآخرين في لقطات مثالية، فيبدأ العقل بالمقارنة اللاواعية: “لماذا حياتي ليست جميلة هكذا؟”. وهذه المقارنات اليومية تُنتج شعوراً بالنقص، وتغذي القلق والاكتئاب، وتضعف تقدير الذات.
في علم الأعصاب، يفرز الدماغ الدوبامين عند تلقي الإعجابات والمتابعات، تماماً كما يحدث عند تلقي مكافأة مادية. ومع تكرار ذلك، يدخل الدماغ في دائرة إدمان رقمي، يبحث فيها المستخدم عن مزيدٍ من التفاعل ليشعر بالقيمة، دون أن يدرك أن هذا الشعور مؤقت ومصطنع.
ثم يدخل بالعزلة خلف الشاشة رغم أننا محاطون بآلاف الأصدقاء على الإنترنت، إلا أن كثيرين يعيشون وحدة عاطفية عميقة.
العلاقات الافتراضية سريعة، سطحية، ومبنية على الصورة لا الجوهر. ومع الوقت، يُصاب الإنسان بما يُعرف بـالعزلة الرقمية”أي العزلة وسط الزحام الإلكتروني.
يفقد تدريجياً مهارة التواصل الحقيقي، الإصغاء، والنظر في العيون… وهي مهارات أساسية لبناء توازنٍ شعوري صحي.
كيف نحافظ على توازننا الشعوري؟
1. تنظيم وقت الشاشة: تخصيص أوقات محددة لاستخدام الهاتف، وعدم تصفح السوشال ميديا قبل النوم أو فور الاستيقاظ.
2. العزلة الواعية: خصص وقتاً يومياً للهدوء، التأمل، أو المشي دون هاتف.
3. التواصل الحقيقي: التقاء الأصدقاء والعائلة وجهاً لوجه يغذي المشاعر ويعيد للروح طاقتها.
4. المتابعة الواعية: اختر من تتابع بعناية؛ اجعل المحتوى الذي تستهلكه يرفع وعيك لا يقلله.
5. الامتنان الواقعي: تذكّر أن ما تراه على الإنترنت هو “صورة”، لا “حياة” كاملة.
الصحة الشعورية هي أساس جودة حياتنا.
في عالمٍ يقيس القيمة بعدد المتابعين، يحتاج الإنسان أن يتوقف قليلاً… ليقيسها بمدى رضاه عن نفسه، وعمق سلامه الداخلي.
أن تعيش بوعي في العصر الرقمي يعني أن تمسك زمام مشاعرك قبل أن تسرقها الشاشة.
سلطان العبدالله