الوطن ليس حدوداً تُرسم على الورق، ولا أرضاً تُقاس بالكيلومترات، بل هو نَفَس الروح، ومهد الطفولة، وحلم الأبدية. هو التربة التي تحتضن البذور الأولى، والجذور التي تُمسك بنا كما يُمسك القلب بنبضه. الإنسان كالنبات الذي لا يستطيع أن يعيش إلا بأرض يعرفها وتعرفه؛ فإن ابتعد عنها تيبّست روحه، وإن اقتُلِع منها ذبل كما يذبل غصنٌ اقتلع من جذره. الوطن هو العناق الأول الذي يمدّنا بالقوة، وهو الأمان الذي يسكن في أعماقنا مهما ابتعدنا عنه، ومهما حملتنا طرق الغربة.
وحين يُذكَر الوطن، تشرق في القلب صورة المملكة العربية السعودية، تلك الأرض التي تقف كالنخلة الباسقة، ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، شامخة بأغصانها نحو السماء. إنها بلد الأمن، حيث ينام المرء مطمئناً لا يخشى غدراً ولا خوفاً، وبلد الرخاء الذي تفيض خيراته كالغيث الذي يروي القلوب قبل الأرض، ويغمر النفوس قبل الحقول. في هذه الأرض المباركة يتنفس الناس الطمأنينة كما يتنفس النبات نسيم الصباح، ويشعرون أن الحياة تزهر كل يوم من جديد.
في السعودية، يلتقي الشعب بقيادته كما تلتقي الجذور بجذعها، لا فاصل بينهما ولا انفصام. علاقة من الحب والولاء والثقة، تجعل هذه الأرض متماسكة أمام كل ريح عاتية. القيادة ترعى شعبها برؤية حكيمة ويد حانية، والشعب يبادلها إخلاصاً ووفاءً يتغلغل في عروقه. إنه تلاحم يجعل الوطن كالشجرة الراسخة؛ كل غصن فيها يستمد حياته من الآخر، فلا ينهض أحد دون الآخر، ولا يزدهر غصن إلا إذا كان الجذع ثابتاً والجذور ممتدة.
ومنذ أزمنة بعيدة، ارتبط اسم السعودية بقداسة لا تزول؛ فهي أرض الحرمين الشريفين، مهوى قلوب المؤمنين، ووجهة العالم الإسلامي أجمع. من مكة المكرمة يسطع نور الهداية، ومن المدينة المنورة يفوح عبير الطمأنينة. ملايين المسلمين في كل بقاع الأرض يحملون في قلوبهم لهذا الوطن حباً فريداً، يرونه بيتاً ثانياً وموئلاً للسكينة. السعودية لا تحتضن أبناءها فقط، بل تفتح ذراعيها لضيوف الرحمن، وتخدمهم بحبٍ وإخلاص حتى أصبحت رمزاً للعطاء والكرم.
وهكذا، يظل الوطن تربةً للروح لا غنى عنها. والسعودية، بما تنعم به من أمن ووحدة ورخاء، تظل الأرض التي تزهر فيها الأحلام وتثمر فيها الطموحات. هي التي علّمت أبناءها أن العزة تُبنى بالعمل، وأن الكرامة تُصان بالوفاء، وأن الانتماء ليس شعاراً يُرفع، بل حياة تُعاش، ودماء تجري في العروق.
إنها السعودية… تلك الأرض المباركة التي لا يذبل القلب فيها.