في حياتنا اليومية، تمرّ علينا أوقات قصيرة ومتفرقة، قد تكون بضع دقائق ننتظر فيها شخصًا، أو نقف في طابور، أو ازدحام في السير، أو حتى لحظات لا نفعل فيها شيئًا. إن هذه اللحظات، على الرغم من تفاهتها في نظر الكثيرين، إلا انها تحمل في طيّاتها فرصًا ثمينة للنمو الشخصي والمهني والنفسي، إذا ما عرف الإنسان كيف يستثمرها بحكمة.
غالبًا ما نتعامل مع هذه اللحظات القصيرة على أنها تعطيل لمسار يومنا، فنشعر بالتذمّر والانزعاج أو نلجأ إلى تصفح وسائل التواصل الاجتماعي بلا هدف. لكن ثمة قناعة راسخة لدى الناجحين والعظماء تقول إن هذه اللحظات ليست مجرد فواصل بلا معنى، بل هي منافذ نطلّ من خلالها على آفاق أرحب. إن استثمار هذه اللحظات الصغرى لا يحتاج إلى قدرات خارقة أو أدوات معقدة. فمثلاً، يمكن إعداد قائمة قصيرة بالمهام، او التحقق من رسالة بريد إلكتروني، او تدوين فكرة جديدة، او مراجعة فقرة من الخطة الأسبوعية، أو حتى التأمل في هدف معين. هذا التنظيم المسبق يجنّب الشعور بالضياع عند انقضاء الوقت، ويحفّز الدماغ على التركيز وإنتاج أفكار فعّالة.
من الأمثلة الحية على ذلك ما يفعله بعض الروّاد في عالم الأعمال؛ إذ يخصصون فترات قصيرة خلال تنقلاتهم أو في فواصل الاجتماعات لمراجعة جدول المهام، أو تقييم الحوار أو مناقشة الأداء، او حتى تدوين الإلهامات الفجائية، او التحضير للفقرة المقبلة، بل أنّ بعضهم يقضي هذه اللحظات في تأمل واسترخاء ليسكن ضجيج الأفكار، وانفعالات الحوار مما يساهم في توسيع مداركهم وتطوير مهاراتهم باستمرار.
أما على الصعيد النفسي، فإن استثمار اللحظات الصغرى يحقّق شعورًا بالإنجاز ويقلّل من الضغط النفسي المرتبط بتكدّس الأعمال. فعندما يتعود الفرد على ملء الفواصل الصغيرة بمهام بسيطة مفيدة، ينمو لديه شعور بالسيطرة على وقته، وتتلاشى لديه فكرة “الوقت الضائع” التي تؤدي إلى التذمّر والكسل.
ولا يقتصر الأمر على الفائدة الفردية فحسب، بل يمتد إلى تحسين علاقاتنا مع الآخرين. إذ يمكن استغلال دقائق الانتظار للتواصل مع صديق أو زميل عبر رسالة قصيرة أو مكالمة مختصرة، مما يعزّز الروابط الاجتماعية ويُبقي جسر التواصل مفتوحًا، حتى وإن كان الوقت ضيقًا.
ولكي يتقن الإنسان هذه المهارة، لا بدّ له من المران والملاحظة. فيبدأ يومه بتدوين قائمة بالأنشطة الصغيرة التي يمكنه أداؤها في دقائق معدودة، ثم يراقب درجة التزامه بتحقيقها. ومع مرور الأيام، تتبلور لديه عادة إيجابية، ويصبح قادراً على تحويل كل لحظة فراغ إلى فرصة حقيقية تُغذّي طموحه.
ختامًا، إن العظماء لم يكونوا عظماء لقضائهم ساعات العمل الطويلة أو المشاريع الضخمة، بل لأنهم أدركوا قيمة اللحظات الصغيرة المتفرقة واستثمروا كل واحدة منها بما يعود بالنفع عليهم وعلى محيطهم.

