في عدد من محافظات منطقة جازان، يواجه المزارعون وأصحاب الأنشطة السياحية تحديات يومية لا تقف عند حدود المناخ الصعب أو التضاريس الوعرة، بل تمتد إلى بعض الإجراءات التنظيمية التي قد تكون مشددة أحيانًا، ما يستدعي مراجعة متأنية توازن بين ضرورات الأنظمة ومتطلبات التنمية.
المزارع في جازان يختلف في واقعه عن غيره؛ فطبيعة العمل الزراعي، خاصة في البيئات الطينية والجبلية، تفرض واقعًا خاصًا يتطلب لباسًا عمليًا، ومركبات قديمة لكنها فعالة، ومعدات قد لا تنطبق عليها مواصفات الفحص المعتادة، إلا أنها ضرورية للوصول إلى المزارع النائية والطرق الوعرة. كما أن الحركة المستمرة للعمالة الزراعية، ونقل المواشي، وتشغيل المعدات، وتسويق المنتجات، كلها أنشطة حيوية في بيئة إنتاجية نشطة.
رجال الأمن، مشكورون على يقظتهم، يقومون بدور جوهري في حفظ النظام وحماية المجتمع ومقدراته، وهم محل تقدير واحترام. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى رجل الأمن الواعي بأهمية الزراعة ودور المزارع، صاحب الفراسة الذي يقدّر طبيعة الميدان، ويؤدي دوره دون أن يُعيق عجلة التنمية أو يُثقل على من يعمل في أرضه وزرعه بأمانة. فاستمرار الزراعة يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، لا سيما مبادرة السعودية الخضراء، التي تجعل من الغطاء النباتي أحد أهم ركائز التنمية المستدامة.
أما في المناطق الجبلية، فقد تخلّى كثير من المزارعين عن مدرجاتهم الزراعية، إما بسبب شح المياه وجفاف العيون، أو لأنهم وجدوا أنفسهم وحدهم في ميدان شاق، يقيمون المدرجات ويزرعون دون دعم أو مشاركة مجتمعية. ومن المعروف أن إقامة المدرجات الزراعية لا تعود بالنفع على المزارع فقط، بل تساهم في حفظ مياه الأمطار، وإنعاش العيون الجبلية، وتحقيق فوائد بيئية واجتماعية مشتركة. وحين تضعف المشاركة وتغيب الحوافز، تنهار سلسلة متكاملة من المنافع.
لذا فإن إعادة النظر في المنظومة الزراعية – من دعم الزراعة الجبلية، إلى تسهيل الحركة الميدانية، وتنظيم العلاقة بين الجهات ذات الصلة – باتت ضرورة ملحّة، لا مجرد خيار.
التحدي الحقيقي اليوم هو إيجاد توازن حكيم بين حفظ الأمن وتيسير حركة الناس والإنتاج. فالأمن والتنمية شريكان، لا خصمان، وإذا اجتمعا تقدّمت المجتمعات. ونأمل أن يُنظر إلى واقع المزارعين بعين الحكمة، وأن تتكامل الجهود بين فرع وزارة الزراعة والجهات الأمنية والخدمية ذات العلاقة، ليُعاد الاعتبار إلى الزراعة والسياحة الريفية كمصدرين حيويين للتنمية في منطقة جازان.
في الختام، جازان تستحق منا أن نُحسن قراءتها، وأن نديرها بتوازن: أمن لا يُثقل الناس، وتنمية لا تخرج عن النظام، وقرارات تنطلق من الواقع وتُلامس حاجات الميدان، حتى يتعايش المزارع مع الأنظمة دون تعطيل لعجلة الإنتاج، ولتتحقق مستهدفات السعودية الخضراء على أرض الواقع، في كل شبر من وطننا الغالي.

