أثناء مكابدتي في دهاليز الحياة الوعرة، ومصارعة منزلقاتها وتقلباتها، أوجد الله أمامي منهجاً أسميته “قواعد البناء الأربعة”.
ولكي يرسخ هذا المنهج في الذهن، وزعته على الأطراف الأربعة (اليدين والقدمين) ليصبح كل طرف تذكرة مستمرة بقاعدة أساسية تمنح القوة والاتزان في رحلة العمر هذه.
اليد اليمنى (المسؤولية التامة)
فتذكير النفس مع كل نبضة من نبضات القلب بالمسؤولية التامة عن كل ما يحدث، لهو قاعدة تحرر من مقولة “الظروف هي السبب”. إنها تضع صاحبها في مركز القيادة الفعلية للحياة. فليس هناك ضحية للقدر، بل هناك صانعون لأقدارهم. بهذا ستتحول كل معاناة إلى نقطة انطلاق، وسيصبح التغيير ليس حلماً بعيدًا، بل واقعاً؛ أو على بعد خطوات.
اليد اليسرى (الحياة تبنى بالمراحل لا بالمواقف)
إن المنزل لا يُبنى بحجر واحد، بل بلبنة على لبنة. وهكذا أيضًا هي الأهداف الصغيرة؛ مراحل واضحة يتلو بعضها بعضًا، ولكل مرحلة أدواتها وعمرها وأسلوبها، فتصبح الرحلة مليئة بالإنجازات المتتالية، لا بالتقلبات العابرة. إن من يركز على المرحلة الحالية، لن ينحرف بعيدًا بسبب موقف عابر؛ حتى وان كان قاسيا…
(ومن ليس له مرحلة؛ تمزّقه المواقف).
حين يُقسّم الهدف الكبير إلى خطوات قابلة للقياس والتطبيق، ويُحتفل بإنجاز كل مرحلة؛ يصبح حجر الأساس صلب في بيت الطموح.
القدم اليمنى (التركيز على الطلب، لا على الهرب)
إن الطاقة التي تُضخ في التفكير بما يُخشى خسارته، هي طاقة ضائعة. وفي المقابل فإن توجيه هذه الطاقة نحو ما يُرجى تحقيقه يولد زخمًا إيجابيًا يدفع للأمام. فمن يطمح إلى صحة جيدة، لا ينشغل بهواجس المرض، بل ينشغل بالبحث عن الأنشطة والعادات التي تمنح الصحة. وبدلاً من نقاش المشاكل واستهلاك العقل في شؤونها، يجب أن تُفتح نوافذ الحلول، وتُناقش سبل تحقيق الأفضل. (ففي قلب كل مشكلة يكمن حلّها).
القدم اليسرى (التركيز على المستقبل)
الماضي مرآة يُستلهم منه الدروس والعبر، ليس أكثر.
لا يجب ان تضيع ساعات العمر في إعادة تشغيل ملفات الأمس.
(إن مناقشة مشكلة البارحة، يكسر كل هذه القواعد الأربعة) وتزج بصاحبها في دوامة الألم.
ومن يريد السير إلى الأمام؛ لا يتلفت للخلف.
(إن جبر كسر هذه القواعد هو مفتاح مغادرة الألم)
حين يشعر الإنسان بالألم والقلق، فليعلم أنه قد كسر بعض أو كل هذه القواعد.
فالانغماس في لوم الذات أو انتظار إجابة من الظروف، أو التشتت بين المراحل، أو الركون إلى المخاوف، أو الوقوف طويلاً عند ماضٍ لا يعود، كلها أخطاء تعقبها عواصف ألم داخلية، تبدد السكينة وتهز الأمان.
أرى أن هذا الأسلوب الرباعي المتوازن -الذي يسير في مسارات متوازية، تعمل معاً في نفس اللحظة- يجعل عجلة الحياة تستعيد دورانها الصحيح، ويجعل كل يوم أكثر تماسُكًا وثقةً بجعل صاحبها المهندس الأول والأخير لحياته.

