ظهر في السنوات الأخيرة مصطلح العلاقة السامة وهي نوع من العلاقات التي يشعر الشخص فيها بالسوء ونقص في الأمان والثقة وعدم الارتياح وهبوط المزاج وآلام الكرامة ، بعكس العلاقة الصحية الناجحة مهما كان نوعها وشكلها هي علاقة تملؤها مشاعر جميلة تزيد من جودة التواصل وتعزز أجواء المحبة والإلفة .
أن تكون في علاقة سامة يعني تكون تحت المجهر في كل تصرفاتك وأقوالك ، وستتعرض للتنمر واللوم في أي لحظة على أي تصرف مهما كان صغيرا. وبهذا يصبح الدفاع عن النفس أمرا في غاية الصعوبة لوجودك في بيئة مشوشة وعلاقات متناقضة لايحكمها المنطق ولاالعقل وخاصة عندما تكون البيئة فيها اكثر من شخص سام ، في هذا المحيط لن يستطيع الفرد التعبير عن مشاعره او رأيه .. مايؤدي للكبت والشعور بالغبن، والتعب النفسي حيث يصل بمرور الزمن لمرحلة الدمار الداخلي في حال الاستمرار بهذا الجو الشحون بالسلبية.
إن العلاقات السامة لاتتوقف على علاقة الازواج ..بل تندرج في جملة العلاقات كلها علاقة ((الاخوة ..الصداقة ..الأهل .... الأقارب ..العمل ))
وهنا لابد للقارئ أن يعي ان العلاقة السامة هي علاقة مدمرة ..قد تدمر أقرب الأشخاص ، وتفقدهم الثقة بالنفس وتعرضهم للقلق والاكتئاب والتوتر وتمنع عنهم الشعور بالفرح والاستمتاع بالحياة .. لما تترافق هذه الأنواع من العلاقات من مشاعر سلبية كالحزن والغضب والخوف .. وأكثر الآثار السلبية تقع على الطفل الذي يولد في أسرة سامة الذي ستجعل منه شخصا مضطربا مشوها من الداخل .
العلاقة السامة علاقة متذبذبة ومرهقة والاستمرار فيها لفترة طويلة يؤدي لنتائج لاتحمد عقباها ، فالسلام النفسي والتوازن الانفعالي لايمكن أن نجده مع من يتعرضون لتلك الضغوطات الرهيبة الناتجة عن هكذا علاقات، ومانلاحظه في مجتمعنا من حالات الطلاق أو الخلافات والقطيعة بين الأهل والأخوة والأقارب هو نتيجة السموم الفكرية والنفسية التي يدسها بعض السامين في عسل العلاقة وكثيرا ما نجد حالات لقطيعة بين آباء وأبنائهم أو بين الاخوة وذلك ليس لأنهم أشخاص سامين بل قد يكون السبب في وجود أشخاص سامين يدسون السم لإشعال الخلاف والفتنة .
فالأشخاص السامين لايتوقف أذاهم على الدائرة الأولى المحيطة بهم بل يتجاوز ذلك إلى أي دائرة يستطيعون الولوج فيها ، لإثبات ذواتهم المنحرفة في بث التفرقة والمشكلة أن أكثرهم يلبسون قناع الطيبة والوداعة التي يصعب معها فهم تلك الشخصيات المعقدة .
وقد أثبتت الدراسات النفسية ان هذه العلاقات مؤذية جدا وتشخيصها أمر في غاية الصعوبة خاصة مع تقديم أنفسهم بصورة براقة ، وإليكم جملة من السمات إذا كانت موجودة فيعني أن حاملها شخص سام ، مايستدعي دق نواقيس الخطر لبتر هذه العلاقة إذا كان بالإمكان أو الابتعاد ورسم الحدود الصحية لحماية أنفسنا من الأذى والعذاب والسمات هي :
اولا: التعامل بعدوانية دائما فالصراخ واللوم والتقريع والسخرية والشتائم والتقليل من الشأن والتهديد والعنف النفسي والجسدي أحيانا ، مع هذه العدوانية ينعدم الأمان والاستقرار ويسود جو من الرعب والخوف .
ثانيا : انعدام الثقة نتيجة الإخلاف بالعهود والمواثيق والمواعيد ، واللجوء إلى التهميش بالصمت والتجاهل .
ثالثا : الكذب المستمر مع الخداع فهم يكذبون أكثر مما يتنفسون ، ولكنهم يكذبون بصدق ..فهم لايصدقون إلا بكذبهم والغريب أنهم كالحرباء يخدعون الآخرين بتلونهم فيصدقونهم لقدرتهم الخارقة على الاحتيال والخداع .
رابعا : السلوك المسيطر :وتظهر في سهولة كسر القواعد والتعدي على الحدود الشخصية ومايساعدهم في إحكام السيطرة نسج الأكاذيب وتشويه صورة الآخرين .. حيث يقوم هؤلاء بإجبار الآخرين على التصرف بطريقة معينة وإملاء الأوامر وقطع العلاقات وإنهاء الصداقات أو بناء صداقات للآخرين تبعا لمصالحهم .
رابعا : التجاهل والإهمال : إهمال الحاجات الأساسية المادية والمعنوية بالرغم من أنهم يطلبون من الآخرين الاهتمام والاحترام المبالغ فيه وبالمقابل يستمتعون بتجاهل الناس ويتعمدون التقليل من قدرهم وإحراجهم .
خامسا : الاستنزاف : ويشمل الجانب المادي والمعنوي فالاستغلال المادي لأبعد الحدود واتهام الآخر بالتقصير أماالاستغلال المعنوي حيث يطلب الاهتمام والتقدير ويحصل عليه ويتهم الآخرين بالتقصير فهو لايرضى حتى لو أشعلت يديك شموعا أمامه،دائما سيتهمك بالتقصير .
سادسا : الأعذار الدائمة والتبريرات غير المنطقية ، أعذار متلاحقة على أخطائه أو عدم وفائه بوعوده، وفي حال شعر بعدم قبول تبريراته فيقوم بتغيير أسلوبه بمكر فيلجأ لسياسة قلب الطاولة على الآخر بحجة أن الآخر هو السبب في ماحصل ، وخلال لحظات ينتقل من التبرير إلى الهجوم والصراخ والنقد اللاذع وتصبح أنت المذنب ويأخذك إلى مكان آخر ، أو تمل وتتعب من الحديث الذي تتيقن بعدم جدواه .
لابد من الإشارة إلى الشخص السام عنده اضطراب بالشخصية وهو يختلف عن باقي الاضطرابات النفسية التي تتشكل غالبا عند من يقعون بين مخالب المضطرب(( كالنرجسي والسيكوباتي)) وغيرهم ..
لذلك لابد من فهم وإدراك طبيعة العلاقات ومحاولة تشخيص هذه العلاقات الغامضة والمستعصية التي تكثر فيها إشارات الاستفهام والتساؤلات .. لابد من فهم يعتمد على القياس والمنطق والبحث في علم النفس و غيره من العلوم الإنسانية لتكوين معرفة دقيقة فالمعلومة في وقتها كالترياق الذي سيحمينا من الخطر وهذا الترياق هو الوعي لمخاطر هذه العلاقات لأن التورط فيها أمر خطير جدا والاستمرار بها هو استمرار للعذاب والألم النفسي ...
ولابد في النهاية أن نذكر بأن العلاقة الصحية هي علاقة مثمرة أيا كان نوعها تزيد من جودة الحياة والسلام النفسي ،علاقة أساسها المحبة و الاحترام والتقدير والامتنان والتعاطف .