بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء وسيد المرسلين ..
في زمنٍ تتسارع فيه مظاهر التغيّر والانفتاح، بدأت ملامح الهوية السعودية تتراجع شيئًا فشيئًا، وظهر ذلك جليًّا في ابتعاد شريحة من شبابنا عن ارتداء الزي الوطني المتمثل في الثوب والشماغ، الذي كان يومًا ما رمزًا للفخر والانتماء والعزة.
لقد أصبح من المألوف اليوم أن ترى الشباب في المقاهي والمجمعات يرتدون الملابس الغربية وكأنهم من بلدٍ آخر، وكأن الثوب والشماغ صارا زيًّا للمناسبات الرسمية فقط، لا جزءًا من الحياة اليومية كما كان في السابق.
الزي الوطني ليس مجرد قطعة قماش تُرتدى، بل هو عنوان للهوية ووسام للانتماء. فحين يلبس السعودي ثوبه وشماغه، فإنه يعبّر عن تاريخه وثقافته واعتزازه بجذوره. أما حين يُهمل هذا الزي، فذلك يعني أن شيئًا من ملامح الأصالة بدأ يتآكل أمام بريق التقليد الأعمى للغرب.
وما يدعو للأسف أن هذا التراجع لا يُرى في دول الجوار.
قبل يومين شاهدت مباراة لكرة القدم بين منتخب قطر ومنتخب عُمان ..
ولفت انتباهي ان ( جميع ) الجمهور القطري المتواجدين في الملعب يرتدون الزي الوطني الثوب والغترة والعقال ، ليسو الكبار في السن بل الجميع اطفال وشباب وكبار سن ، كما رأيت في الجهة المقابلة لهم الجمهور العماني وهم يرتدون زيهم الوطني بكل فخر واعتزاز ..
فالشعب القطري — على سبيل المثال — ما زال محافظًا على زيه الوطني في كل الأوقات والمناسبات، صغيرهم وكبيرهم، موظفهم وطالبهم، يرتدونه باعتزاز وثقة، حتى صار الزي جزءًا من صورتهم الوطنية التي يعرفهم بها العالم.
بينما نحن — ونحن أصحاب الزي الأقدم والأشهر خليجيًا — بدأنا نتخلى عنه بأيدينا وكأننا نخلع هويتنا قطعة قطعة.
لا أحد يعارض الانفتاح أو التنوّع في المظهر، ولكن المطلوب هو التوازن بين الحداثة والأصالة، ولكن بدون أن نفقد ملامحنا التي تميزنا.
فالثوب والشماغ ليسا رمزًا للماضي، بل هما شاهدان على الاستمرارية والهوية. ولو تأملنا، لوجدنا أن تمسك القطري أو الإماراتي أو العُماني بزيه الوطني لم يحدّ من حضارته أو تطوره، بل زاده هيبة واحترامًا في عيون الآخرين.
وقد حرصت حكومتنا حفظها الله على ضرورة الإلتزام بالزي الوطني ..
فقامت بإلزام فئات محددة بارتداء البشت أثناء حضورهم لمقار العمل والمناسبات الرسمية، وتشمل هذه الفئات الوزراء، ومن هم في مرتبة وزير، ورؤساء الأجهزة المستقلة، وأمراء المناطق ونوابهم، والمحافظين، وأعضاء مجلس الشورى، والقضاة، والمدعين العامين، والمحامين. يرتدى البشت فوق الثوب والغترة، ويعتبر من الرموز الوطنية المهمة التي تعكس الهوية والتراث السعودي.
كما أقرت وزارة التعليم السعودية اعتماد الزي المدرسي الوطني السعودي، بما في ذلك إلزام الطلاب السعوديين بارتداء الثوب والشماغ أو الغترة في المدارس الحكومية، مع جعل العقال اختيارياً.
وفي المقابل وضعت الدولة حفظها الله غرامات على كل من يخالف الذوق العام بلباس يحمل عبارات سيئة او عنصرية او يظهر جزء من جسم لابسه …. الخ .
في خطوة استباقية للحفاظ على الهوية السعودية فيما يتعلق بالزي الوطني السعودي .
إنّ مسؤولية الحفاظ على الهوية لا تقع على الدولة وحدها، بل هي واجب كل مواطن يرى في ثوبه جزءًا من وطنه، وفي شماغه رايةً من رايات العزّ. فالأمم لا تضيع فجأة، وإنما تضيع حين يتخلى أبناؤها عن رموزها الصغيرة التي تحمل في داخلها المعاني الكبيرة.
الكاتب / عبدالله البقمي
١٨ ربيع الثاني ١٤٤٧ للهجرة .
