مفهوم سياحي جديد يتمناه الأهالي ويرنو له السائح ويتطلع اليه المسؤول
فهل يتحقق ؟
منذ مئآت السنين خُلقت عدد من الأسواق الشعبية في منطقة الباحة كمواقع تجمُّع يرتادها الناس لقضاء مصالحهم التجارية والالتقاء ببعضهم وعقد مجالس صلح بين الأفراد أو على مستوى المجتمع ، وظلت كذلك عقودا طويلة تزهو برسالتها الإنسانية الخالدة ، حتى انتقل الناس الى نمط حديث في الحياة تبعا لتطور إيقاعها المتسارع واختلاف روافدها المعيشية المتدفقة ، ومع هذا التطور انصرف الناس الى معيشتهم وتركوا تلك الأسواق كالتحف الأنيقة الغائرة في التراث الإنساني للباحة .
واليوم خطت أيادي الأحفاد خطوات مقدرة في إعادة إحياء تاريخ الآباء والأجداد ؛ فنفضوا عن تلكم الأسواق اغبرة متراكمة كتراكم السنين على ” دكاكينها” و” أزقتها” و ” ساحاتها” وأعادوا أصوات الباعة و” الشرَّاية ” الى فضاء الأسواق ، وأدرجوا رحى التجارة في ردهاتها .
ولعل من اهم الأسواق الشعبية التي دبَّت الحياة فيها :
سوق الغشامرة ببني ظبيان المسمى ( سبت غشمر) .
وسوق السبت ببلجرشي والمسمى ( سبت بلجرشي )
وسوق الاطاولة المسمى ( ربوع قريش ) .
صحيفة الأنباء العربية ترى أنه من المناسب أن يكون لهذه العودة للأسواق الشعبية رونقا وطابعا مختلفا ، يُبقي على أصالة تلك الأسواق ويعصرنها في الوقت ذاته لتطل من شرفات البيت الحجري على ساحة المدينة الذكية .
ومن هنا فقد وجهت الصحيفة عدة تساؤلات ضمن تقرير صحفي عن عودة الأسواق الشعبية وإمكانية الاستفادة منها كرافد سياحي جديد لمنطقة الباحة .
وعن سؤالنا حول رأيك في تجربة إعادة الأسواق الشعبية للحياة ومدى تفاعل الناس وإقبالهم عليها ؛ أجابنا بدايةً :
الأستاذ ماجد بن عبدالله عيدة – معرف قرية الغشامرة التي تحتضن سوق الغشامرة قائلا :
إن عودة سوق الغشامرة بتاريخه العريق المتجذر كان له دور فعال في إحياء تراث الآباء والأجداد ، مبينا أن تفاعل الناس كان رائعا ومتميزا حيث أن السوق قد احتوى موروثنا الشعبي.
فيما رأى الاستاذ مسفر هطيل – أحد المنظمين النشطاء لمهرجان الأطاولة التراثي الخامس
– أن إقبال الناس على المهرجان عموما وعلى سوق ربوع قريش خاصة بعد إعادة النشاط التجاري إليه ؛ كان إقبالا بمعدلات مرتفعة واتضح ذلك من خلال قياس القوة الشرائية من الباعة في السوق .
أما الاستاذ علي بردان وهو احد أعيان بلجرشي فقد تحدث عن أن سوق بلجرشي تاريخيا كان يُشكل حلقة وصل بين عدن باليمن والقنفذة بالسعودية عبر سوق المخواة ، وأردف ولايزال السوق قائما حيث يرتاده كثير من الأهالي والسياح للتسوق أسبوعيا .
وعن سؤالنا عن إمكانية أن تشكِّل هذه الأسواق بشكلها الحالي رافدا سياحيا جديدا لمنطقة الباحة ؛ أجاب الأستاذ مسفر : أن سوق ربوع قريش يُشكِّل رافدا سياحيا قويا نظرا لوجوده بالقرية الأثرية بالاطاولة وهذا أضاف بُعدا آخر حيث يُشكِّل رابطا قويا بين سوق تاريخي وقرية اثرية مهيئة .
فيما وافقه الرأي الاستاذ ماجد مضيفا أن السوق لايعد رافدا سياحيا فقط للمنطقة بل ستنال قبيلة بني ظبيان نصيبها الوافر من ذلك .
أما الاستاذ علي بردان فقد أكد على ان المتخصصين في التراث يجدون ضالتهم من مقتنيات في سوق بلجرشي فهم يحضرون بعوائلهم بإستمرار لأجل ذلك ، مبينا ان السوق يُعد مزارا سياحيا تماما كسوق البلد في جده .
وعن السؤال حول ماهية الجهات التي يُعول عليها دعم ” سياحة الأسواق الشعبية” وما الدور المرتقب منها ؟ اجاب الاستاذ بردان : ان الأسواق الشعبية تحتاج لجهود هيئة السياحة والأمانة معا لتجديدها وإصلاح وترميم ما اندثر من سماتها القديمة وتشجيع التنوع في المعروضات فيها كما كانت قديما ، وهذا يتطلب التنسيق والتكاتف بين الامانة والسياحة والأهالي والملاك والإعلام كذلك حتى يكون هناك
نقلة نوعية في هذه الأسواق . فيما وافقه الاستاذ مسفر مؤكدا على ضرورة الوصول الى تصنيف السوق ليكون ” منطقة تسوق مركزية” . أما الاستاذ ماجد فطالب هيئة السياحة بالحضور والدعم قائلا : أتمنى تفاعلهم معنا بصورة عاجلة .
أما عن استطلاعنا حول إيجاد صندوق استثماري يشكِّل ذراعا ماليا لتطوير هذه الأسواق آنيا ومستقبلا . رأى الاستاذ علي بردان إقامة جمعيات تعاونية مساهمة للعناية بهذه الأسواق وتطويرها والاستثمار بها كذلك . فيما استحسن الاستاذ مسفر الفكرة موضحا أن هذا يعود لاتفاق ملاك المحلات . ولم يذهب الاستاذ ماجد بعيدا غير انه أكد على أهمية انضواء الصندوق تحت مضلة حكومية أو رجال ثقات.
بدورها طرحت الصحيفة على سعادة أمين منطقة الباحة تساؤلا عن الدور الذي تضطلع به الامانة لتحقيق مفهوم سياحة الأسواق الشعبية فأجاب : يرتكز دور أمانة منطقة الباحة في عدة جوانب : – العمل على تأهيل تلك الأسواق وإعادة الحياة اليها من خلال : صيانة وتعزيز البنية التحتية وفتح الطرق والممرات وتنفيذ أعمال التحسين والتجميل مع إبراز الهوية العمرانية والمعمارية وازالة التلوث البصري وتوفير الخدمات اللوجستية كافة . كما ان القطاع البلدي مسؤول عن الرقابة على الأطعمة والمشروبات وإصدار التراخيص وتجديدها لمزاولة الأنشطة التجارية داخل تلك الأسواق ، إضافة لتنشيطها عن طريق إقامة الفعاليات والمهرجانات التسويقية .
وأوضح السواط أن الأمانة تعمل ضمن خطة لتحقيق مستهدفات محور تحسين المشهد الحضري والارتقاء بجودة الخدمات في الأسواق الشعبية اسهاما في تحقيق رؤية ٢٠٣٠
وتعزيز اقتصاد المدينة من خلال توظيف مواقع التراث العمراني واستثمارها اقتصاديا وسياحيا .
من جانبه فقد أيد الاستاذ زاهر الشهري مدير هيئة السياحة بمنطقة الباحة فتح نافذة ” سياحة الأسواق الشعبية” كوجهة اقتصادية وثقافية وسياحية للمنطقة مؤكدا على أن شراكة الهيئة مع الامانة والقطاع الخاص قائم لتحقيق استدامة لنمو وازدهار الأسواق الشعبية وقال : نحرص على ان تكون الأسواق الشعبية مسارا سياحيا ضمن المسارات السياحية للسياح الذين يزورون المنطقة في فترات متفاوتة طوال العام .
والمح الشهري إلى قيام الهيئة بتشجيع منظمي الفعاليات والمهرجانات في هذه الأسواق مستعرضا مبادرة الهيئة في تطوير سوق الثلاثاء بمحافظة المخواة .
أما عن فكرة إنشاء جمعيات تعاونية للعناية بالأسواق الشعبية فقد أكَّد تأييده لهذه الخطوة موضحا ان التوجه العالمي اليوم هو باتجاه إقامة الجمعيات التعاونية التي تضطلع بدورها الاقتصادي والاجتماعي والتنموي ، مبرزا التجربة الأمريكية في هذا الجانب قائلا : ان الجمعيات التعاونية في الولايات المتحدة الأمريكية قد بلغت مؤخرا أكثر من مليون ومئتي الف جمعية ، وهذا دليل على أهميتها ودورها الحيوي بمجتمعات اليوم .
ومن خلال ماسبق يتضح أن “سياحة الأسواق الشعبية” مفهوم قابل للتنفيذ والإحلال على ارض الواقع في منطقة جاذبة للسياحة كمنطقة الباحة والتي تُعد كذلك منطقة تراثية تحضن عدة اسواق تاريخية غائرة في التراث السعودي والعربي عموما كسوق ربوع قريش الذي تعود بدايات نشأته للعام ١٠٦١ للهجرة كما ذكر ذلك المؤرخ الاستاذ علي سدران .
ويبقى هنا الحلقة التي تربط بين أماني المواطنين والمهتمين عموما وبين تطلعات المسؤولين وتحقق أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠ من خلال فتح فرص وظيفية وتعزيز السياحة الداخلية للمملكة وصولا الى رفع الناتج المحلي ،أملا في ان نسمع عن اجتماعات وورش عمل وزيارات ميدانية مكثفة تمهيدا لانطلاق مفهوم سياحي جديد في الباحة هو ” سياحة الأسواق الشعبية” ترتادها قوافل السياح ومجاميعهم بحثا عن الماضي التليد في جنبات تلك الأسواق وممراتها ومتاجرها التي كانت الأسر تقتات من خيراتها .