جميلة هي المساءات المضيئة و الليالي المقمرة ، ويظل الأجمل مساء الأرياف .
مساء أنيق لا يأتي على عجل
مساء وقور يتوكأ على عصاه ، ويهش بها على العصافير المتأخرة في العودة إلي أعشاشها .
مساء تقترب فيه مصابيح السماء من فوانيس الأرض. وتفوح فيه رائحة الخبز من أفواه التنانير
تتلألأ فيه النجوم كعيون الأطفال في صباح العيد ،ويتزين عنق السماء بسلاسل من نور تتدلى على صدر الأرض .
وتظل الأزهار مستيقظة ترش الندى على أوراقها كيلا تنام.
وينتشر الناس في جنبات الأرض كالفراشِ المبثوث يترقبون طلعته، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء .
ويخفض الظلام جناحه حياءً من القمر.و يفسح له
ويطل القمر يجوب السماء كساعي البريد ،ويتفقد الأرض تفقد عمر الفاروق لأهل المدينة
فيحلو للمتأملين التأمل ، وللحادين الحداء ، وللشاكين الأنين وبث الشكوى
وللمتأملين فيما يبصرون مذاهب ، منهم من يأوي إلى ركن بعيد لايسمع فيه الا أنفاس المساء
أو الي جبل يعصمه بعد الله من الغرق في تفاهات البشر وترهات الأخبار .
وترى أحدهم اذا رأى القمر بازغا والنجوم في استقباله، يقلب ناظريه في السماء فيأخذه المشهد إلي ثنيات الوداع لحظة وصول بدر الزمان محمد صلى الله عليه وسلم إلي يثرب
حدثاً تسترده الذاكرة مع مرور الأيام كلما بدا وجه القمر من بين الغمام .
فيناجي القمر بقوله:
كل القلوب إلي الحبيب تميل
ومعي بهذا شاهد ودليل
أما الدليل إذا ذكرت محمدا
فترى دموع العاشقين تسيل
صلى عليك الله ياعلم الهدى مالاح بدر في السماء دليل
ويتبسم القمر ضاحكا من أم تهدهد طفلها وتشير إليه قائلة:يوما ما ستصبح مثل القمر تحمل النور بين جوانحك وتطوف به بين الناس تنير زواياهم المعتمة وتضيء مساحاتهم المظلمة ،وحتى يأتي ذلك اليوم ستبقى قمري الصغير وسأظل سمائك الفسيحة .
ويتهادى القمر على صوت جميل يسري مع النسيم يشبه مزامير آل داوود يحدو بلا
ناي ولا عود فيرخى له الليل سمعه ،وتطرب منه النجوم ، وتنام على حُدائه الأزهار.
أما أنا فوقفت في طريق القمر ، أستوقفته قليلا، أمسكت بطرف ثوبه ووضعت في جيبه
ضحكات الأطفال ،وقلوب الأمهات ، ووجوه الأباء، ورائحة الأجداد، وأشرت اليه أن خذها بعيداً عن الخيبات والأحزان والذبول.
وهمست له : إن أبصرت أبي …أخبره أني انتظرته طويلا على عتبات الأيام ،
وأن بخوره أصبح رماداً باردا ، أخبره أن قلبي أبيضّت عيناه من الحزن
وأن عزمي صار كالعرجون القديم
فرفع رأسي إليه وقال أترين وجهي ،وهذة النجوم ،وتلك الكواكب والمجرات البعيدة ،
يوما ما ستفنى جميعها ،و لكل منا ميقات يوم معلوم وقبل أن يأتي ذلك اليوم علينا أن
نتماسك ونكون أقوياء ونضيء لأنفسنا وللأخرين الحياة
ولما همّ بالأفول أمسك بيدي و أشار اليّ أن أردد معه
اتفقنا ..
أن نتماسك /نتماسك ،
نبقى أقوياء /نبقى أقوياء
نضيء لأنفسنا وللأخرين / نضيء لأنفسنا وللأخرين .
ثم قال : ابتسمي فإني لا أحب الآفلين ……………………ثم أفل
ملاحظة :إذا رأيت القمر بازغًا لا تنسى أن تقول (تبارك الذي جعل في السماءِ بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا)
1 comment
1 ping
ام تالين
19/03/2019 at 4:33 م[3] Link to this comment
إني لا أحب الألفين
رائع مقالك يا أم البراء