إذا قيل نعم الجارة فتلك هي نبية ، و هنيئاً لمن نال شرف جوارك يا نبية . عندما كنت أزور جارتي في الأسابيع الأخيرة كانت لا تقوى على الجلوس و تتحدث بمشقة و كأن في صدرها حديث محبوس ، ماتت جارتي في صبيحة اليوم الذي كنت أنوي فيه زيارتها بعدما كنتُ عائداً من رحلة عمل ، أصبت بخيبة كبيرة على خسارة تلك اللحظات معها رغم إيماني الكامل بقضاء الله و قدره ، إلا أنني كنت أطمع في الجلوس معها مراراً و تكراراً ، جارتي التي رغم ما بها لم تكن تشكو الوجَع و الألم و تكتم الآهات و الأنات إلا حين أمسكت بيديها و نشدتها أأنتِ شاكية ؟ فتومئ برأسها أن نعم . جارتي نشأت صبية و عُرفت سخية و ماتت نبية ، عندما كنت طفلاً كانت ترعاني و تداري دمعتي ، كانت تداعب الحجل و تجعلني أطعمه ، ذات يوم رفعت في وجهي العصا و تقول العصا لمن عصى و لم تقصد سوى إخافتي ” لأنني كنتُ شقياً حينها ” ، إلا أنها سرعان ما جاءت تراضيني ، لم أعرف في يوم من الأيام منذ أن عرفتها أنها أساءت لأحدٍ أو انتقمت من الآخر ، ماتت جارتي و عَبقها يفوح من المباخر وليس أمَّرُ من موتها سوى مشهد وداعها لبيتها ، عندما دخلتُ غرفتها للمرة الأخيرة و قبلتُ جبينها تلك القبلة الوداعية حملتها و من معي و الدمع يحرق مقلتي و الأنين يشقق صدري و نسير بجثمانها مع باب غرفتها و في صمت مريب تحدق أنظار الحاضرين لهذا المشهد الحزين و الكل يوجه عبارات الوداع الأبدية لهذه الجارة النقية . جدتي نبية فارقتنا روحها الطاهرة و ستبقى في ذهني ما حييت ، رحمك الله رحمة الأبرار و جعل قبرك روضة من رياض الجنة يا نِعم الجارة .
