مدينة صلالة دار الأصالة .. مُتمنياً أن أصفها بإيجاز غير مقصراً بحقها والتي قد لا تكفيها هذه المقالة المتواضعه ، موصوفة بأرض التُربة – اليابسة النديّه – فمِنْ وصْفِها أشتقَّ إسمُها لغوياً بمفرداتها ، وقد سبق أن أُطلق عليها أسماء مختلفة عبر العصور القديمة مُدونه بتفاصيلها الإسمية حسب الحضارات القديمة ، فمن المفردة ( الصَلّه ) تم إشتقاق إسمها لغوياً حسب تدوين العلماء وأهل الأدب واللغة الذي قطنوا بتلك الأرض الطيبة التي لا تنبت إلا طيباً .
مدينة صلالة العاصمة الإدارية لـ مُحافظة ظفار العطِرة المكنونة بخضرة البساتين الملِئة بأشجار النارجـيــل ( جوز الهند ) وأشجار الموز والفافاي ، المدينة الجميلة بتاريخها وأهلها وأجواءها الغنّاء بسهولها الواسعة وجبالها الخضراء وبحورها الزرقاء ورمالها المُتّسمة بالنقاء وسماءها المُلبّد بالغيوم ساقية العطاء .
مدينة صلالة مدينة اللُّبان والتي تُعد من أهم الموانئ المُصدّرة لـ اللُّبان في قرية إسمها ( الـبـلـيـد ) منذ العصور القديمة وكان الطلب على اللُّبان مهماً جداً وعموداً أساسياً بالتجارة وتتوازي قيمته بقيمة الذهب وكانت أهم سلعة على الإطلاق يجري تصديرها من بلاد العرب إلى الغرب وكذلك بلاد السند والهند والصين ، فاللُّبان دموع تلك الشجرة التي لا تتعدى الـ ٣ أمتار وتتشكل على شاكلة اللؤلؤ الفضي منسكبةً على أغصانها ، ومن أهم الإستخدامات والطلب عليه بكثره آنذاك كان في دور العبادة التي لا خلا منها اللبان وكانت هي من أثمن الـهدايا التي تُساق للملوك والقياصر .
مدينة صلالة العصرية هي مدينة العُلماء الأجلاّء هُم أهل تلك المدينة الأثرية العريقة بحضاراتها والذين عاصرو جميع الحضارات االقديمة المزدهرة كالسومرية والبابلية والآشورية والفرعونية والرومانية وغيرها ونقلوا تلك الحضارة جيل بعد جيل متمسكين بذاك الإرث العظيم ، وتم تسجيل المدينة كأقدم مدينة في شبه الجزيرة العربية من حيث إكتشاف الحفريات وأنواع الحيوانات التي عاشت بها وإنقرضت وبقت بقاياها المتحجرة والتي لم تكن معروفه لدى البشرية حتى ، وصفها المؤرخون بأنها أرض ذات أنهار وأشجار كثيفة الخضرة تشبه الغابات المخضرة الشاسعة ، ومن بعض مسمياتها بتلك الحضارات القديمة فقد كان يُطلق عليها عند الفراعنة ” بلاد بونت ” حيث أن الرومانيون كانوا يطلقون عليها إسم ” أوفير ” وأما عند المؤرخين الغرب والمسلمين فـ فيما بينهم إتفاق عل أن إسمها ” أوبار ” ، وبعدها تقلدت بعدة أسماء نسبة لمن تولى زمام أمور المدينة بالعصر الأموي والعباسي ك ( سمهرم والشحر ) ، على حُقبات زمنية متفرقة حيث أن الشحر لهم لهجتهم المختلفة ومشتقة من كلمة شحير ” بالجبالية ” وتعني الريف والجبل .
مدينة صلالة ما قبل الإسلام ” أوفير ” و ” أوبار ” ، يرى الكثير من القارئين والعاملين على جمع التاريخ أن مدينة ” أوفير ” كانت المدينة المزدهرة الرائجة تجاريا آنذاك حيث كانت الأساطيل البحرية ترسُ من جهة البحر الأحمر بزمن الفراعنة ، والمحيط الهندي من جهة أخرى ترسُ عل موانئها الأساطيل البحرية التجارية لجلب المُر واللُّبان ( الذي لا ينبُت إلا في أرضها ) والفضة والذهب وأنواع أخرى من البخور ، أما الطريق البري القديم والذي ورد ذكره من المؤرخين والجغرافيين الأوائل يبدأ من ظفار غربا عن طريق النجد الى جنوبي مُدن الجزيرة العربية مثل شبوة وحضرموت ، ثم شمالا الى نجران حتى غزة ، وبذكر آخر للمؤرخ (سترابو) أن الرحلة البرية تسلك طريقا مباشراً عبر منطقة الربع الخالي .
وأطلق عليها إسم ” أوبار ” الإسم الذي حيّر العالم وصِلَته بقوم ” عاد ” الذين تم ذُكرهم بالقرآن الكريم بوصفها الدقيق لتلك المدينة بمبانيها العالية وخصوبة أرضها وثروتها الغنية وكثافة أشجارها التي جعلت من أهلها في عظمة الثراء ، وبعد أن تم إكتشاف المدينة المغمورة تحت كثبان الرمال الواقعة بشمال المدينة الحالية أتت الدلائل بثمارها وتأكيد أغلب المؤرخين والمستكشفين بأن تلك الكتابات والرسوم في الصخور والكهوف والوديان مابين الجبال هي تلك المدينة المذكورة عن ” قوم عاد الذي لم يُخلق مثلهم في البلاد ” .
مدينة صلالة المدينة الساهرة ما أن تبدأ الأجواء المناخية فلكياً بالتغيير وتحديداً بمنتصف شهر يونيو حتى إنتهاء شهر سبتمبر من كل عام ولمدة ثلاثة أشهر متواصلة تهبط قطعة من الجنة تتربع على أرض مدينة صلالة ، كظاهرة ليس لها شبيه على وجه الأرض بأكمله وتنفرد بمناخها وأجواءها العليلة وغيومها الملِئة بالرذاذ الهادئ المتساقط الغير منقطع ليلا ونهاراً ، وتُكسى تلك السهول والهضبات والقمم الجبلية بكسوة خضراء معانقة للغيوم راسمة لوحة طبيعية مبهرة تنثر البهجة والراحة في نفوس أهلها وزائريها من كل أطياف العالم دون أن تغفى لهم عين .
مدينة صلالة مدينة السياحة والتي تعتبر ثالث أكبر مدينة في سلطنة عُمان وتبعد عن العاصمة العمانية مسقط بمسافة ١٠٥٠كم عبر المركبة بالطريق البري المُعبد ، وبالطائرة عبر الأجواء قد تستغرق الرحلة لمدة ساعة ونصف من مطار مسقط الدولي إلى مطار صلالة الدولي ، وعند دخول الطائرة بالأجواء المناخية الخريفية ينتابك الشعور الجميل والإسترخاء التام متسارعا بالهبوط من على متن تلك الطائرة متلهفا لزيارة المدينة بنياباتها وقُراها ومعالمها القديمة الأثرية والحضارية والإستمتاع بأجواءها المُنعشه .
مدينة صلالة المدينة الحديثة تنسجم مع الطبيعة الإلـهية والحداثة الإنسانية بأبنيتها وفنادقها المنظمة وتكتمل الرسمة الفنية بحدائقها ومنتزهاتها ومهرجاناتها السنوية ومسارحها الفنية وحفلاتها الغنائية الشعبية التقليدية والحديثة معا ، صلالة بها ( البليد ) الأثرية كأبرز معلم أثري شاهدةً على التاريخ القديم بحصنها الشهير وبقايا أرصفة الميناء الشهير والمساجد والمقابر المنتشرة ، وبها ( الحصيلة ) حيث تتواجد دحقة ناقة النبي صالح ، وضريح النبيي عمران بـ ( القوف ) ، وضريح جنيد في ( الحصن ) ، وبها أسواق الحافة ومنطقة الدهاريز والعوقدين والسعادة وعدونب وريسوت وصحنوت ، حيث توجد ثلاثة مواقع أثرية في منطقة ( المغسيل ) مع مشاهدتك للكهوف والنوافير الطبيعية التي تحدث بتصادم أمواج البحر بها مستخرجة أصواتا مميزة ، وآثار جدران قديمة ومقابر لما قبل الإسلام في منطقة ( رزات ) ، حيث يتواجد قبر النبي أيوب كـ مَزارْ روحي بأعالي الهضبات الجبيلة في منطقة ( غدو ) ، ( سمهرم الأثرية مرورا على بحر خور روري ) من المناطق الأثرية الهامة تعود للعصور القديمة ما قبل الميلاد حيث يتواجد بها النقوش الحجرية والرماح السمهرية والمباني القديمة المبنية من الحجر ومعبد بأثريات قديمة ، ومن الآثار التاريخية الشامخة ( حصن طاقة وحصن مرباط ) .
مدينة صلالة مدينة السهول الواسعه كـ ( سهل أتين وسهل صحنوت .. وغيرها ) التي تُشعرك بالراحة النفسية والإستلقاء بين أحضانها المكسوة بأعشابها الخضراء حيث يقوم سكان المدينة بالتوجه للسهول كعادة مارسوها منذ القِدم ونصب خيمهم بالتمركز والعيش هناك طوال فترة الخريف ، وعيونها المائية كـ ( عين رزات وعين جرزيز وعين صحنوت وعين طبرق وعين دربات وعين حمران ) والأودية التي تتشكل وكأنها أنهار جارية بماءها العذب كـ ( أرزات ونحيز وعربوت وعدونب وعشوق وجرزيز ) ، والشلالات التي تنهمر من أعالي الجبال مصورةً لوحةً فنية جميلة تأخذك بمخيلتك إلى أبعاد بعيدة وراحة نفسية ، متساءلاً نفسك عن هذه الجنة الأرضية ألا يحق لك أن تراها وتعيشها لحظة بلحظة وكأنك تفارق الحياة الإعتيادية إلى حياة أبدية أخرى هي ” صلالة ” .
الكاتب : طـارق الصابري
سلطنة عُـمـان