المعلم هو مربي الأجيال ..
فقد قال سبحانه :
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الْأَلْبَابِ) (الزمر:9)
ولا تقوم الأمم ولا ترتقي ولا تزدهر إلا بالعلم، فهو غذاء العقول النيرة التي استطاعت بفضله الخروج من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن الحياة الحيوانية إلى الحياة البشرية السامية، وقد حث الإسلام على طلب العلم وشرف أهل العلم في الدينا والآخرة، فكانت أول آية نزلت من القرآن الكريم هي "اقرأ".
تعتبر مهنة التعليم من أشرف المهن التي عرفتها الإنسانية على مر التاريخ ، لأنه حجر البناء فبفضله ينشأ في المجتمع الطبيب والمهندس والمحامي وغيرها من المهن، التي لا تستقيم حياة الناس إلا بها، فالمعلم هو أساس العملية التعليمية وهو صاحب الفضل على هؤلاء وغيرهم، ممن تعلموا على يديه سائر العلوم فانتفع الناس بهم، فهناك صاحبا معروف في غاية العظمة:
من سقاك شربة ماء تروي ظمأك ليحيا بها جسدك وهي أفضل الصدقة ومن أسدى لك علماً ومعرفة تضيء طريقك فتحيا بها روحك وعقلك وتشق بها طريقك ويساعد المعلمون على بناء العقول وتشكيلها، كما يلعبون دوراً كبيراً في بناء مستقبل الكثير من الأفراد، حيث يسعى المعلمون إلى تقديم المعرفة للأفراد في جميع مراحل حياتهم بدءاً من مرحلة رياض الأطفال حتى مرحلة الجامعة، وذلك من أجل تعليمهم الطرق اللازمة للتمكن من فهم طبيعة العالم وتحديد مكانتهم به ، إن المعلم الفاضل صاحب الفكر النير الصحيح، يؤثر في المجتمع عن طريق طلبته ، فإذا كان قدوة صالحة لهم كانوا هم كذلك والعكس بالعكس، والمعلم في كل عام يبني جيلاً واعياً متعلّماً قادراً على التّمييز بين الصّواب والخطأ.
فمهمة المعلم تربية النشأ على الأخلاق الحميدة، وتهذيب الأنفس على القيم المثلى وصقل شخصية المتعلمين، ليكونوا عنصراً فعالا في مجتمعاتهم، وترسيخ مبادىءوقواعد التعلم الأساسية الدينية والوطنية والتعليمية والإجتماعية وتنمية مهارات الطلاب في شتى المجالات الابتكارية والتعاونية والمساهمات الإنسانية التي تثري المجتمع المحلي والإسلامي والعربي والعالمي بكل ماهو مفيد للبشرية ، فكم اليوم في العالم من موهوب ومبدع كانت بدايته كلمة وقرت في قلبه من معلم مخلص، كم من علم وفن أحببناه من ذاك المعلم ، كم من طموح وأمنية غرسها معلم نبيه في نفوس طلابه، كم من طالب قد ضل الطريق فأشفق عليه معلمه فنفض عنه غبار الضياع وهداه إلى بر الأمان، كم من طالب جمع إحباط المدرسة في نفسه فلمحه معلمه وأخذ على يده فقام منه وقد أشرقت الشمس في نفسه من جديد، كم من طالب متعثر شارد الذهن نتيجة ضغوط عائلية فيجد معلمه أمامه قد لملم فكره وجمع له شتاته، وكم من طالب متعفف انزوى عن زملائه يكتم حاجاته في صدره يستحي من ملبسه أو أدواته أو يكون عليه وقت الفسحة أشبه بالنقمة لقلة ذات اليد فينكسر له قلب معلمه ويحاول جاهداً في مساعدته محتسباً للأجر والمثوبة من رب العالمين ، وكم من معلماً كان بمثابة الأب لطالباً يتيماً أو لطيماً ، وكم من معلماً ترك وطبع في نفوس طلابه من خلقه الجميل وعلمه النافع بالغ الأثر على طلابه ، فخير من علم البشرية هم الرسل-عليهم السلام- بعثهم الله للناس هادين ومعلمين للخير .. وجاءت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، متضافرة في بيان قيمة العلم وحملته ،والحض على تبجيل العلماء ورفع منزلتهم ومن ذلك قوله تعالى:
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ ﱠ.(المجادلة: ١١).
وفي الحديث الشريف :
قال رسول الله صَل الله عليه وسلم «إنَّ الله وملائكته وأهل السَّموات والأرض حتَّى النَّملة في جحرها وحتَّى الحوت ليصلُّون على مُعلِّم النَّاس الخير)). رواهُ التّرمذي: (2901) ([1]).
وقال رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فضلُ العالم على العابد كفضلي علىٰ أدناكم))
فياله من فضل عظيم وشرف للمعلم ، ونقل لنا التراث الإسلامي صور مشرفة لما كان يلقاه المعلم بين الناس من احترام وتبجيل، ومن ذلك أن زينَ العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما- كان يذهب إلى زيد بن أسلم، فيجلس إليه، فقيل له: أنت سيد الناس وأفضلهم تذهب إلى هذا العبد فتجلس إليه، فقال: العلم يُتَبع حيث كان ومن كان.
وكان الخلفاء يتسابقون على أبواب العلماء لينالوا شرف تربية أبنائهم وتعليمهم على أيديهم، فكتب من هارون الرشيد لأحد مؤدبي أبنائه قائلاً فيها : ( إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فأقرئه القران، وعرفه الآثار والأشعار، وعلّمه السنن، وبصّره مواقع الكلام وبدئه، وامنعه الضحك إلا في أوقاته، ولا تمرنّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فيها فائدة تفيده إياها، من غير أن تخرق به فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقومّه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإنْ أبَاهُما فعليك بالشدّة والغلظة، وبالله توفيقكما )
وقال أمير الشعراء ( أحمد شوقي ) في مدح المعلم :
قُـم لِـلـمُـعَـلِّمِ وَفِّه التَبجيلا ..
كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا ..
أَعَـلِـمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ ..
يَـبـنـي وَيُـنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا ..
المعلمين هم فخر الأجيال وأساس الحضارة ، معهم كانت البداية والانطلاقة حيث كنّا لانعرف شيء، فبين أيديكم وعلى أيديكم تعلمنا أن نقرأ ونكتب ، وتعلمنا أمور ديننا ودنيانا ، الأرقام والحروف والتقنية وكل علم وفن ، ليس فقط هذا وحسب بل أنتم من صقل مواهبنا وتحت ايديكم نمت فينا روح التعاون والتنافس الإيجابي والمشاركات التي أضافت لنا الكثير ومنها الإذاعة المدرسية والرياضة والنشاط الطلابي والكشافة والمسابقات التعليمية والثقافية والزيارات الميدانية ..
إن أمة لا تعترف بدور المعلم المهم في بناء المجتمع ولا ينال العلم والعلماء قدرهم فيها لا يمكن أن ترقى بين سائر الأمم ، بل مصيرها التخلف عن ركب الحضارة والنسيان بين طيات التاريخ.
بقلم:
الأستاذ / إبراهيم حامد المحياوي