إن الله سبحانه وتعالى قد خلق الحياة والموت وأوجد الخلائق من العدم ليبلوهم، ويختبرهم أيهم أحسن عملاً، عن قتادة رضي الله عنه قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إن اللّه أذل بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء) والله عز وجل هو المتصرف في جميع المخلوقات، بما يشاء، ولا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل، لقهره وحكمته وعدله ورحمته فهو غفور لمن تاب إليه وأناب، بعد ما عصاه وخالف أمره، فهو مع ذلك يرحم ويصفح ويتجاوز، ولهذا بشر الذي يصبرون على أقدار الله المؤلمة يقول تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)، ومن أعظم المصائب التي تصيب الإنسان في هذه الحياة الدنيا أن يفقد من يحب، وليس هناك ما يعبر عن حجم حزنه وألم فراقه لمن يحب في قلوب الأحبة سوى الصبر بالتسليم لقضاء الله وقدره .
إن مواساة أهل المكلوم يخفف عنهم ألم المصاب وينال صاحبه الأجر والثواب يقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (ما من مؤمنٍ يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة).
فالتعزية سنة مؤكدة ومن مكارم الأخلاق في الإسلام، فالواجب الشرعي أن نلتزم بها، ولكن بعض الناس لا يعرفون قيمة التعزية والثواب العظيم المترتب عليها، حتى أن البعض منا أصبح يربط التعزية بحسب قرب الشخص أو بعده عنهم، وما علم هؤلاء أنهم قد فوتوا على أنفسهم خيراً كثيراً يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عزى مصاباً كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر المصاب شيئاً»، فلماذا يحرم الإنسان على نفسه هذا الأجر العظيم؟!! والمسلم النقي هو من يستشعر هذه المعاني والقيم ويسعى إلى تعزية من اخيه المسلم ومن الخذلان أن يقف معك الغرباء في السراء والضراء، ويصدمك مواقف اناس تحسبهم الصفوة في الخير فهكذا تتساقط الأقنعة ومن ثم تعرف معادن البشر وبالتالي تتكشف لديك امور تكاد لا تصدقها توصدق الشافعي حينما قال: جزى الله الشدائد كل خير
ولكن الواجب ألا يتعامل الأشخاص بنفس ردة فعل من خذلهم بل الواجب أن يسعى إلى الأفضل بحيث لا يخذل من طرق بابه وطلب العون منه في الرخاء والشدة، لأن الخذلان صفة ذميمة وخسيسة لا تشبه المسلم.
إن مشاركة المسلمين أتراحهم يخفف عنهم ألم المصاب، فيه سلوى وعزاء لأهل المتوفى فالموت كما نعلم مصيبة عظيمة فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم تألم كثيراً لموت أبنه إبراهيم قد تجلى ذلك حينما دخل عليه -رضي الله عنه- وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تذرفان. فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟! فقال: (يا ابن عوف إنها رحمة) ثم أتبعها بأخرى، فقال: (إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون).
وهذا النوع من الحزن هو رحمة من الله عز وجل وسلوى للعبد، فالمواساة بالكلمة الطيبة والوقوف مع أهل المصاب وذلك بتذكيره بالله عز وجل، وتوصيته بالصبر، فبه اشعار له بأن هناك من يهتم بأمره ويقف معه عند الشدائد، ويشعر بألمه ومصابه.
وحتى تحقق التعزية أهدافها يجب على المعزين إلا يطيلوا الجلوس في مجلس العزاء لإن الإطالة تعد نوعا من أنواع الاجتماع المنهي عنه شرعا، وهو بدعة؛ لقول جرير بن عبدالله البجلي رضى الله عنه: (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة) ومن آداب التعزية عدم الاستطراد في الاستفسار عن اللحظات الأخيرة للمتوفى، وظروفه الصحية قبل الوفاة، ما لم يبادر أهله لإخبارك بالأمر، وليس المناسب إطلاق النكات والطرائف في مجلس العزاء ، كما لا ينبغي العبث بالجوالات في مجلس العزاء ، ومن الأفضل وضعه على الصامت بقدر المستطاع، ولا يجوز تعاطي النميمة والأحاديث الجانبية مع الجالسين، وضرورة إلتزام الصمت بقدر المستطاع.
نسأل الله يتقبل موتانا ويجعلهم من أصحاب اليمين وأن يتغمدهم بالرحمة، وأن يلهم أهلهم بالصبر والسلوان