لعل من نافلة القول ان تواجد اقليات قومية او دينية أو عرقية مظهرا معتادا في اغلب بلدان العالم فلا يوجد بلد وجغرافية تتسع للون قومي وديني واحد إلا في مساحات جغرافية منعزلة في قديم الزمان .
ان المشكل الاساس هو مدى قدرة النظام السياسي على التعاطي مع هذه الحالة واسلوب المعالجة. فاذا كانت اغلب النظم السياسية تعاني من مشكلة الاندماج الوطني باشكال مختلفة عجزت خلالها عن العبور بها الى مرحلة المواطنة المتساوية وذلك بسبب ان السلطة الخاكمة فشلت في استيعاب هذه الاقليات من خلال سيادة القانون العادل بين الجميع وقمع تطلعاتها الثقافية وتقاليدها بما يضمن التفاعل والاثراء المجتمعي. لا بمكن وصف دولة ما بهوية محددة اي انها دولة قومية او دينية الا في حالة دولة الفاتيكان وقبائل الماو ماو في غابات الامزون وخذ مثلا ان روسيا الفدرالية تضم اكثر من مائة قومية وعرقية وأديان ولكن نجحت روسيا في استيعاب هذه الاختلافات من خلال مرونة النظام السياسي الفدرالي الذي يقوم على المواطنة المتساوية امام القانون واحترام عادات وتقاليد وفلكلور هذه الامم والاعراق والجذور الدينية عبر ترسيخ فكرة الدولة في ذهن المواطن الروسي بانها الصيغة الأرقى للعيش الانساني المشترك مع احترام وتقدير خصوصيات تلك التلونات، فانت عندما تميل للمكون الاغلب فانك تزرع بذور التوتر والشعور بالظلم والذي سيولد مع تراكم المشكلات سلة من الكراهية والحقد بما يكفي لرؤية انفجارات هنا وهناك تضع النظام السياسي في مواجهتها وقمعها بالقوة.
ان ميزتين اساسيتين في الحفاظ على الاستقرار والاندماج هما احترام الخصوصيات العرقية والدينية واطلاق مواهبها واحترام فلكلورها ومواسم افراحها وكذلك المحافظة على الطبقة الوسطى ضامنة الاستقرار والتماسك لانها هي من تنتج الابداع والفلكلور والثقافة والفنون وتمنح النظام السياسي عنصر قوة وتسهم في صياغة اسس الدولة، الاقليات عنصر تحفيز وابداع واللون الواحد غير جاذب بينما التلوينات تضفي الوحدة والازدهار والرقي. بل ربما احيانا تكن عنصر تميز وتفوق في مجالات الادارة والابداع، اتذكر ان مدينة عراقية تقطن مدنها الاساسية الكبرى عشائر عربية متنافسة وكان لها منصب المحافظ ولكن بقيت بينهم الحساسيات والتنافس السلبي على المنصب الى ان تم العمل بمقترح ان يعطى المنصب لحصة اصغر مدينة فنجح المحافظ منها في تطمين الجميع على متطلباتهم الحياتية وطبق القانون بلا تفريق ووزع المشاريع بعدالة فشعر الجميع بخيرات التنمية وانتهت الصراعات بحيث ان المحافظ هذا كلما انتهت عهدته يطالب الجميع بتجديدها... نعم الوحدة في التنوع والقوة من قوة الدولة.
.
.
.
* كاتب واكاديمي من العراق