إن السعادة البشرية لن تتحقق دون الأمن والأمان ، لأن أساس الحياة أن يعيش بني الإنسان تحت سقف السلام والاستقرار ، وهو دور كل فرد من أفراد المجتمع في السعي لتحقيقه في كل زمان ومكان .
وميثاق الأمم المتحدة في بيان حقوق الإنسان جعل احترام إرادة الشعوب من مكونات الحياة الآمنة المطمئنة ، وذلك في تقرير مصيرها بنفسها لما يحقق لها أهدافها دون أي تمييز بسبب العرق ، أو اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الدين ، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي ، أو الأصل القومي أو الاجتماعي ، أو الثروة ، أو النسب ، أو غير ذلك من الأسباب .
إن المملكة العربية السعودية منذ قيامها دورها دائما العمل بالمواثيق الدولية مما عززت مكانتها أمام المجتمع الدولي ، وهي في نصرة القضايا العادلة سياستها الخارجية دون التدخل في شؤون الغير ، ومادامت هذه سياستها فهي تتعامل مع إرادة الشعوب والأمم .
ومن الشعوب التي وقفت المملكة العربية السعودية لنصرتها من بداية أمرها إلى اليوم الشعب الأفغاني ، وذلك في حربه مع الإتحاد السوفيتي .
ولقد كانت مواقف السعودية واضحة جلية في دعم أفغانستان في السعي للتحرير من الغزو السوفيتي ، وجاء ذلك على لسان صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية أثناء انعقاد المؤتمر العالمي الأول عن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة القضايا الإسلامية التي نظمته الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في ١٤ من محرم ١٤٣٢هـ الموافق ٢٠ من ديسمبر ٢٠١٠م حيث تفضل معاليه قائلا (بدعم المملكة العربية السعودية واستماتة المجاهدين استطاع العالم أن يوقف المد الشرير ويبطله ، فسقوط الإتحاد السوفيتي هو ثمرة هذا الجهاد ، وأن حالة الفصائل الأفغانية كانت دائما ما تتفق على الإتحاد ثم تنقض العهد وتعلن التفرق في اليوم التالي ، وكان هذا ديدنهم ، يعلنون الوحدة يوما وفي اليوم الذي يليه يبطلونها ، وكان ديدن قادة المملكة هو عدم الاستسلام لهذا الوضع وبذل الجهد في محاولات رأب الصدع ، وكانت آخر محاولة عام ١٤١٥هـ ، وكان آخر مبلغ صرف على المجاهدين وبمعرفتهم ٢٠ مليون دولار لمشروع الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - لإعمار أفغانستان وذلك بعد أن تأسست الحكومة الأفغانية بعد لجوء نحيب الله إلى مقر الأمم المتحدة ، وكما رأيتم فقد أوقفت المملكة الدعم عن الفصائل ولكنها استمرت في دعم الشعب الأفغاني ، وفي يومنا هذا تجاوب الملك عبدالله مع المطلب الأفغاني ليستمر في تقديم العون ، فسخر المكان للمفاوضات بين الحكومة والطالبان قبل عامين ونصف العام ، ولحرصه على سلامة القضية الأفغانية ونقائها من كل شائبة اشترط على الطالبان أن يقطعوا صلاتهم بالقاعدة قبل أن تمد المملكة يدها ).
موقف مشرف عظيم يذكره معالي الامير تركي الفيصل للملكة تجاه الشعب الافغاني وذلك لكونه رجل دولة باشر الكثير من المناصب العليا في المملكة سابقا ومنها: رئيس الاستخبارات السعودية ، ثم سفير المملكة في الولايات المتحدة الاميركية كل ذلك مما يؤكد لنا أن المملكة تعاونت مع ارادة الشعب الأفغاني لما يربط بينهما من علاقات قوية ومن أبرزها الدينية .
وفي عهد نا الميمون مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الامين الامير محمد بن سلمان - حفظهما الله - ليس ببعيد عن العهود السابقة في دعم الشعب الافغاني والوقوف معه حسيا ومعنويا ، وذلك ماشاهدناه في شهر ينويو لهذا العام بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز دعوة الفصائل الأفغانية المتحاربة إلى المصالحة ، وترسيخ دعائم السلام في جمهورية أفغانستان الإسلامية ، حيث وقع كبار العلماء من باكستان وأفغانستان في مكة المكرمة الاعلان التاريخي للسلام في أفغانستان ، الذي يمهد طريق الحل للأزمة الأفغانية من خلال دعم المفاوضات بين الفئات المتقاتلة .
وماجرى في هذه الأيام من عودة طالبان إلى أفغانستان والتوتر الامني الموجود فيها من خلال غياب حكومة شرعية مدنية اتخذت المملكة موقفا نفس موقفها السابق وهو التعامل مع ارادة الشعب الافغاني دون الحركة التي جعلت الارهاب شعارها عبر تاريخها الدموي ، .
دعوة السعودية من خلال بيانها الصادر من الوزارة الخارجية السعودية الشعب الافغاني بكافة اشكاله إلى استخدام لغة الحوار وتقديم المصالح الوطنية لما يحقق الرخاء والازدهار له دون التدخلات الخارجية يأتي البيان حاملا رسالة واضحة أمام الأعداء الذين يكيدون للملكة ، وينسون فضلها الدائم على الشعب الأفغاني من أن السعودية نظرتها إلى العالم نظرة حب ووفاء .
المملكة تقف مع الشعوب وإراداتها في تحقيق مصيرها ولاتتعامل مع عصابات ارهابية لاعلاقة لها بدين ولاخلق ، بل قتل الأبرياء ، وإهانة النساء ، كطالبان الإرهابية .
إمام وخطيب المركز الثقافي الاسلامي بمدينة درانسي شمال باريس في فرنسا