الرفيق أم الطريق .... ؟
يُقال دائماً على لسان حال الغالبية من الناس حكمة ومثل شعبي شائع ألا وهو : (الرفيق قبل الطريق ) ولو تأملنا في هذا المثل لوجدنا حكماً عجيبة في باطنه ، ونضرب مثلاً : لو صادف أحدنا شخصاً تعرف إليه فمن الذي ساقه إليه ؟ سوف تكثر الإجابات وتتنوع بحسب حالة الشخص الذي تمَّ سؤاله فمنهم من يقول : حظي جميل ومنهم من يقول ساقه القدر وآخر يقول ساقته المصلحة المادية ...وهكذا تتنوع الإجابات لكي ترضي عقل صاحب الرأي .
ونلاحظ بأنَّ الجميع يذكرون الرفيق ويتغافلون عن الطريق الذي وجدوا به رفيقهم ، لأنَّ الطريق هو الذي يحدد نوعية الرفيق ومسمى الطريق هو مصطلح مجازي يشير إلى مكان ما تمَّ اللقاء فيه ونضرب مثلاً : من أراد اللهو واللعب فإنه يبحث عن رفيق يُحبُّ اللهو واللعب وسوف يجده في أماكن اللهو إذاً فمكان اللهو هو الطريق ومن أراد العلم فإنه يبحث عن رفيق يُحبُّ العلم وهكذا وكما يقولون : الطيور على أشكالها تقع ...
فالذي يهوى اللهو فإنه خبير بطرق اللهو وصاحب العلم خبير بكتب العلم والعلماء
وعندما اختار سيدنا موسى أن يتعلم العلم أرسله الله تعالى إلى العبد الصالح وأخبره عن طريقه وكيف يصل إليه وعدد الطرق بهذه الدنيا لا تعد ولا تحصى وقد حذرنا الله تعالى من سلوكها لخطورة ووعورة دروبها وأغلبها طرق مهلكة ، ورسم الله تعالى لنا طريقاً واضحاً وسماه : ( الصراط المستقيم ) وقال : ( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) والسبل هي الطرق الأخرى وسبيل الله هو طريق الله عزَّ وجلَّ ، فمن اتبعه فقد نال السعادة والفوز في الآخرة والراحة والطمأنينة في الدنيا ومن سلك طريقاً غيره فليتحمل نتيجة اختياره ، وقد وصف رسولنا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا الصراط فقال : " هو أدق من الشعرة وأحدُّ من السيف " ومعنى هذا الحديث هو أن الصراط دقيق جداً فلو اجتمع جميع الناس على أن يقومون بقص شعرة من رأس أي شخص لما استطاعوا والمقصود بقص الشعرة هو قص طولي أي يقسمها طولياً إلى نصفين لأنها دقيقة ولا يوجد معدات تقوم بذلك فكيف بالصراط الذي هو أدق من الشعرة كيف ينقسم ؟
وهذه إشارة بليغة من معلم البشرية وإيضاح لأولي الألباب بأنَّ الصراط المستقيم لا ينقسم ولا يستطيع أحد أن يأخذ منه جزء ويترك جزء آخر بل هو كما هو ومن حاد عنه هلك ، والدقة هنا ليست في الظاهر من التوجه في الشعائر العبادية بل في حركات وسكنات القلب الذي هو محل الإيمان فلو انحرف القلب عن طريق الصراط المستقيم فقد عرض نفسه للخطر والخطورة في الخواطر التي تعتور في القلب والفكر من زخرف الدنيا وبهرجتها .
لذلك نقول : من أراد اختيار الرفيق فعليه أن يُحدد نوعية الطريق قبل الرفيق فإن اختياره للطريق هو الذي يُحدد نوعية الرفيق . ...