ها نحن في المملكة...نحتفي باليوم الوطني في حُلته التَّسعين. حلته التي تطرَّزت بوحدة كيان وحيز جغرافي تفوق مساحته عن ٢ مليون كم٢. كان قبل ذلك يكتسي بحُلة ممزقة بالية نهشها الفقر والقهر والجهل والمرض والجوع والخوف.
بدأ الملك المؤسس/ عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود؛ -رحمه اللّٰه تعالىٰ- في استبدال تلك الحُلَّة بحُلة أجمل تم تصميمها منذ عام ١٣١٩ هـ. باستعادة الرِّياض ثم تتالىٰ تزيين تلك الحُلة وتطريزها بانظمام الجزء تلو الجزء بحنكة قيادية وهمِّة بطولة القائد البارع الملك/ عبدالعزيز ورجاله البواسل من كل جزء ومنطقة من مناطق المملكة...حتىٰ تم اكتمال الحَُلة بإعلان توحيد المملكة العربية السَّعودية في عام ١٣٥١ هـ.
هذا ما تعلمته ووعته وآمنت به الأجيال، جيلاً بعد جيل، لكن كيف نحافظ علىٰ وحدة الوطن الغالي المملكة العربية السُّعودية؟. كيف نحميه من كل ما يؤذيه؟.
الإجابة علىٰ هذاين السؤالين هي الأساس وهو ما يجب أن يركز عليه في الإحتفال باليوم الوطني وليس فقط سرد التَّاريخ والبطولات، رغم أهميتها ودورها الذي أعتقد أنَّها أساسيات تاريخية يتعلمها الأجيال وستستمر في تعلمها ولا يكاد يجهلها إلا ربما القليل.
المملكة...-أعزها اللّٰه- تمر بتحديات وتحولات كبيرة؛ وكبيرة جداً؛ ولذا لابد أن يكون الإحتفاء والإحتفال علىٰ قدر هذه التَّحولات والتَّحديات. صحيح اليوم الوطني إجازة وفرحة ولكنه ليس تركيزاً علىٰ التَّرفيه والغناء والحفلات، رغم أهمية ذلك الإبتهاج في يوم وطني يرمز لوحدة كيان كبير.
أنا أؤكد أنَّنا بحاجة إلىٰ تدعيم الوحدة الوطنية والحفاظ عليها باستمرار. ولكن كيف؟.
قد لا استطيع سرد كل ما من شأنه الإسهام في دعم تلك الوحدة والحفاظ عليها ولكن ما لا يدرك كله فلا يُترك جُله.
اعتبر أنَّ ما سأذكره يمثل في نظري ركائز دعم وحفاظ للوحدة الوطنية:
الرَّكيزة الأولىٰ: هي اجتثاث كل ما من شأنه إذكاء نار التَّفرقة والكراهية المذهبية ووأدها. نحن المواطنون في
المملكة العربية السَّعودية كلنا مسلمون سنة وشيعة. ما دام نحن مواطنون سنة وشيعة فهذا يعني أنَّ لنا جميعاً نفس الحقوق ونفس الواجبات. إنِّ كلمة: (مواطن) تعني الإنتماء الكامل لهذا الوطن ولا ولاء لغيره. بأي شكل من الأشكال ومن والىٰ غيره، فهذا يعني أنَّه ضد وطنه ولذا لا حق له في المواطنة، وللجهات المتخصصة اتخاذ الإجراءات القانونية والنِّظامية تجاه ذلك دون هوادة. لا بد أن يترسَّخ هذا الإنتماء لدىٰ كل فرد بتلبس هذه الصِّفة ويعيش علىٰ تراب هذا الوطن.
نعلم جميعاً كيف سل البعض وسلط لسانه علىٰ هذه الطَّائفة أو تلك علىٰ منابر مساجد أحياناً؛ وحسينات وعلىٰ وسائل التَّواصل أو في مجالس عامة وغيرها، وأحياناً تهجم البعض علىٰ البعض في الشَّارع. كيل للتُّهم والسِّباب والقذف وهذه أمور أسوأ من أمور أيام الجاهلية الأولىٰ بكثير.
نحن بحاجة إلىٰ سن أنظمة وقوانين تصون حقوق المواطنة في هذا الجانب. لا بد أن يُفهم أنَّ هذا التَّقسيم المذهبي ليس وليد العقود الأخيرة، وإنِّما هي ولادة مع بدايات الإسلام الأولىٰ. القوانين والأنظمة الصَّارمة وتفعيلها بالتَّطبيق هي الرَّادعة. المواطنون بمذهبيهم وغيرها
كالاسماعيلية يجب أن يعيشوا آمنين مطمئنين دون تجاوز علىٰ مذهب آخر له نفس الفرص ولا يفرق بينهم، إلا بما يقترفونه من مخالفات وهناك وهنا من يقترف مخالفات.
بعض المخالفات تكون بالغة التَّطرف والخطورة لإنها تستهدف الوطن ووحدته. رأينا وعشنا زمن القاعدة الإرهابية التي تم اجتثاثها -وللّٰه الحمد-؛ ورأينا وعايشنا ما حدث من إرهاب وعنف وتطرف في العوَّامية وغيرها في المنطقة الشَّرقية، وتم وأدها -والحمدللّٰه- ولا يزال هناك من غُسل مخه هنا وهناك هارباً ومطارداً؛ ولكن لا مجال لبقاء واستمرار مثل هذا الإرهاب، فكل من مارس الإرهاب هم أفراد لا يمكن تعميمها علىٰ من ينتمي لمذهب.
ومن هنا يجب التَّنبه وعدم التَّعميم حيث هنا تكمن الخطورة. نعيش متساوون ولا نقول نتعايش. التَّعايش يكون علىٰ غير إيمان بنوع العيش أو القبول علىٰ مضض، وهذا ما لا نتمناه ولا المفترض أن نرضاه كمواطنين ومؤكَّد أنَّ القيادة الحكيمة حفظها اللّٰه لا تقبله علىٰ الإطلاق.
الرَّكيزة الثَّانية: إنِّه وفي ظل وسائل التَّواصل الإجتماعي فقد انبرىٰ الملايين لاستغلالها في مجالات شتىٰ منها النَّافع،
وأحسب أنَّ القلة والغالبية لا نفع فيها بل تقود إلىٰ الضَّرر بالوطن ووحدته.
الرَّكيزة الثَّالثة: عندما نتحدث عن الرَّكيزة الثَّالثة هي القبلية وترسيخها والإيحاء بأنَّ هذه القبيلة أو تلك هي الأفضل والأقوىٰ؛ والمبالغة في المدح فهو إشعار بنقص في القبائل الأخرىٰ وهذا معول من معاول هدم الوحدة الوطنية.
الرَّكيزة الرَّابعة: عندما يُنشر خبراً أو شائعة دون التَّأكد من صحتها وخاصَّة فيما يتعلق ويمس الوطن بشكل سلبي فهذا معول هدم آخر. وعندما تُستغل منابر التَّواصل الإجتماعي للسِّباب والشَّتائم والشَّخصنة وخاصَّة في جوانب سياسية؛ واقتصادية بهدف الذَّود عن المملكة...-حرسها اللّٰه- دون وعي وفكر، ورد علىٰ ما أورده ذلك الشَّخص أو أي وسيلة إعلامية، من تهم أو ادعاء فهذا يضعف ولا يقوي.
إنِّ الهجوم علىٰ الشَّعوب بجريرة قادتها لا يفيد وهناك من الدُّخلاء من يوشي نار الفتنة؛ ويهاجم القادة والشَّعب السَّعُودي ليجر البعض من المندفعين السَّعوديين؛ ويستفزهم لكي يقوموا بمهاجمة شعب هذه الدَّولة أو تلك،
وهذا وإن جاء بلا شك عن حب الوطن وقادته؛ إلا أنًَه يفرح ذلك المستفز ويحقق هدفه. إنَّ كسب الصَّداقة هو الأفضل وخاصَّة صداقة الشَّعوب.
وعندما يوجه النَّقد غير المسؤول عبر وسائل التَّواصل ودون وعي ولا دليل راسخ إلىٰ جهات حكومية فهذا تشويش وبلبلة. النَّقد الإيجابي المدعَّم بفكر ورؤية واضحة هو المفيد.
الرَّكيزة الخامسة: نحن بلد إسلامي وانبثقت منه الدَّعوة المحمدية من مكَّة المكَّرمة التي بها بيت اللّٰه الحرام والكعبة المشرَّفة؛ وبها المسجد النَّبوي الشَّريف. المملكة...منذ عهد الملك/ عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه اللّٰه-؛ عملت علىٰ تطوير وتوسعة الحرمين والمشاعر المقدسة، ولا تزال مستمرة بسخاء منقطع النَّظير،
ولذا فإن الممارسات وبالذِّات في المدينة المنوَّرة ومكَّة وخاصَّة من أصحاب المتاجر والمساكن والمطوفين وغيرهم مع الحُجَّاج والمعتمرين والزَّائرين من المفترض أن تعكس صورة الإسلام الحقيقية المتسامحة المعتدلة وصورة الوطن والمواطن الصَّادق من السَّعوديين.
ومن المؤسف أنَّ كثيراً ممن يعمل في المتاجر غير سعوديين وربما يعمل بالتستر ويسيء كثير منهم في اعتقادي إلىٰ سمعة أهل البلد. وهذ أمر مؤسف جداً ويعكس صورة سلبية عن المملكة...وربما يصل الأمر إلىٰ التَّقليل من دعم بعض الأوطان في لمواقف المملكة...السِّياسية وغيرها.
الرَّكيزة السَّادسة: وهي في غاية الأهمية تتعلق بالعدالة في التَّوظيف والبُعد عن المحسوبية، والواسطات مع التَّركيز علىٰ الكفاءات والمهارات.
كل مناطق المملكة...تزخر بالكفاءات الوطنية ولديها قدرات. مبدأ تكافؤ الفرص لكل المراتب والدَّرجات الوظيفية يعزز الإنتماء ويقوي اللُّحمة وينهض بالوطن. خادم الحرمين الشَّريفين وولي عهده -حفظهم اللّٰه- يبحثون، ويحثون عن استقطاب الكفاءات وخاصَّة لتنفيذ برامج الرؤية. إنَّ ما قد يبعد الكفاءات وخاصَّة في مناصب إدارية قيادية هو التَّوصيات التي قد تقفز علىٰ الكفاءة؛ ويكون للصَّداقة والقرابة دور في الإختيار، بغض النَّظر عن المهارة والكفاءة وهذا من شأنه أن يورث الغبن.
علىٰ كل حال هناك الكثير من الرَّكائز التي تحتاج إلىٰ
تفصيل كثير، منها: التَّعامل مع الوافدين للعمل، ومنها الإخلاص في العمل ومنها التَّعليم وتطويره والذي تم البدء في ذلك. ومنها انتشار المخدرات باستهداف ربما متعمد. وهناك الكثير والكثير مما نحتاجه لتدعيم والحفاظ علىٰ هذه الوحدة. التي كانت مثالاً منقطع النَّظير في القرن العشرين.
المملكة العربية السَّعودية خطت خطوات متسارعة في سلم التَّطوير والتَّغيير إلىٰ الأفضل وخاصَّة في عهد الملك سلمان، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان. نالت المرأة حقوقاً كانت مغيبة وتم تمكينها وظيفياً في القطاع العام وكذا في القطاع الخاص. احسب أنَّ المرأة السُّعودية لديها كافة الإمكانات والقدرات لاثبات كفاءتها ودورها في التَّطوير.
علينا ألا نهتم بالقشور التي يود بعض الفتيات احتسابها بأنِّها من أساسيات تمكين المرأة والتَّركيز علىٰ اللِّبس والمظهر البعيد عن الاحتشام الذي غير مرحب به ولا مقبولاً في مجتمع مسلم وأعتقد أنَّ هذا ليس الوضع الطَّبيعي وليس أساسياً.
المملكة...تواجه تحديات وأطماع لزعزعة أمنها واستقرارها
ولكن القيادة الحكيمة واعية تمام الوعي ولديها مواطنون لديهم الإستعداد لتقدم الغالي والنَّفيس للدِّفاع والذَّود عن هذا الوطن الغالي وفوق هذا وذاك فإنَّ اللّٰه هو الحامي.
في الختام أتقدم بالتَّهنئة الخالصة للأسرة السُّعودية الكريمة في كل مناطق المملكة...وعلىٰ رأسها خادم الحرمين الشَّريفين الملك/ سلمان بن عبدالعزيز آل سعود؛ وولي عهده صاحب السَّمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان. عاشت رأية المملكة...خفَّاقة وحماها اللّٰه أرضاً وقيادة وشعباً من كل شر.