سيّدة آيِّ القرآن .
شغلني حديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عندما قال : " آية الكرسي سيدة آيّ القرآن ) .
فعكفتُ تدبراً وتأملاً في هذه الآية لعلَّ الله تعالى يفتح لي بسّرٍ من أسرارها الكثيرة ، فوجدتُ بعد حين من التدبر أنَّ الله تعالى قد جمع أغلب أسمائه الحسنى في هذه الآية العظيمة وسوف أشرحها واحدة واحدة حسب ترتيب الآية قال الله تعالى : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ...) وابتدأ الآية بلفظ الجلالة ( الله ) وهو اسم الذات وليس بإسم من أسماء الصفات ، ثم قال : ( لا إله إلا هو ...) أعلن التوحيد والانفراد بالألوهية وكلمة ( هو ) اسم من أسماء الله تعالى شرحه العلماء العارفين بالله ، ثم أعلن عن صفاته فقال : ( الحيُّ القيّوم ) وهذان اسمين من أسماء الصفات وجاءت مقرونة مع أل التعريف وكل اسم على حدى معرفاً بنفسه لكي يعرف العبد نقصه فنحن أحياء بالله وهو حيٌّ بنفسه والحي مقرون بالقيّومية فهو القائم على خلقه ، ثم قال : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ... ) وهذه من صفات القيوم وهنا فصل بين السنة وبين النوم ونفى كل منهما على حده حتى يثبت النفي القاطع عنه هذه الصفات جلَّ جلاله ، ثم قال : ( له مافي السموات وما في الأرض ) وقد أراد القول بأنه جلَّ جلاله هو : مالك الملك فضمن هذه الكلمات أدرج اسمه (مالك الملك ) ، ثم قال : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) وهنا اسمه (الشفيع ) المطلق الحصري ولا شافع إلا من أذن له من خلقه ، ثم قال : ( يعلم مابين أيديهم وما خلفهم ...) وهنا اسمه (العليم ) وكذلك اسمه ( علاّم الغيوب ) لأنَّ قوله هنا يثبت علمه بما سيحصل وكنّى بذلك بقوله ( مابين أيديهم ) وماكان قبلهم ( وماخلفهم ) أي الماضي فهو الأول والآخر وهو الباطن والظاهر جلَّ جلاله ، ثم قال : ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بماشاء .... ) أثبت جلَّ جلاله النقص في علم خلقه بكمال علمه جلَّ جلاله ولا علم لخلقه بشيء إلا ما شاء هو أن يُعلمَّهم إياه ويعود هذا الكلام لاسمه العليم أيضاً ثم وصف إحاطته المطلقة بالعلم فهو (المحيط ) وهو ( الجامع ) ثم قال : ( وسع كرسيه السموات والأرض ) وهذه الكلمات هي صفة اسمه : ( الواسع و العظيم ) جلَّ جلاله ثم قال : ( ولا يؤده حفظهما ..) لا يعجز أو يتعب من حفظهما أي السموات والأرض فهو : (الحفيظ ) جلَّ جلاله ، ثم قال يُعرف عن ذاته : ( وهو العليُّ العظيم ) الذي تعالى فوق الخلائق فالكل عبيده وخلقه وملكه والعلي العظيم هو المتصرف الوحيد في خلقه .
أردت أن أبين الاستنباط الذي منَّ الله تعالى عليَّ به باستخراج أسمائه الحسنى من هذه الآية التي كلها أسرار ، نسأل الله تعالى أن يفتح علينا فتوح العارفين ويجعلنا من عباده المقربين . ...