الوطن هو ذاك الفضاء الجغرافي الذي يجسد الوعي بالذَّات الجمعية بما يعنيه من محتوىٰ ثقافي وتاريخي ووجداني لتكون هذه الذَّات الجمعية في مواجهة الآخر، أي آخر يكون.
إنَّ وعي الإنسان بالمكان هو امتداد لوعيه بذاته وهو الواقع المتمثل له داخل الزَّمان والمكان، وهو نسيج مختلط تشكل داخل الفرد من خلال الرُّوح والجسد فتشكلت منه هذه الوحدة المتجانسة التي تشعر الشَّخص بالتِّيه والغربة عند افتقاد أحد من هذا المزيج المتكون سواء في داخل الفرد أو الجماعة وهو ما يشكل الإنتماء والهوية.
هذا الإنتماء فطري بطبيعة الحال يلاحظ حتىٰ في القطعان وأسراب الطَّيور للحماية والشَّعور بالأمن؛ وهذه الحاجة من الدَّوافع والإحتياجات الخمسة "وفقاً لهرم ابراهام ماسلو" لدىٰ الانسان، وهي الثَّانية في الأهمية بعد الهواء والغذاء.
هناك ظروف مرَّت بشبه الجزيرة العربية وعانت كثيراً من آثار البؤس والقتل والسَّلب والنَّهب في الجاهليتين القريبة والبعيدة، وآثار ما تركه الإستعمار من جهل وفقر وتجهيل وسلب ثروات؛ جعلت الفرد في حاجة ماسة للشَّعور بالإنتماء لحماية ذاته وكينونته، لذلك فإنِّه بعد حالة الإستقرار والنَّماء والتَّنمية -بفضل من اللّٰه ثم بفضل موحدها- أصبح أشد حرصاً وحفاظاً علىٰ التَّشبث بهذه الهوية التي طالما انتظرها، حيث تشكل له الكنز الذي ورثه عن الآباء والأجداد.
نحن في ذكرىٰ يوم -الكنز الوطني- الذي توحدت أرجاؤه بالدَّولة السَّعودية والتي نحتفل فيه بالذكرىٰ التَّسعين لوحدتها، وطن اكتمل نموه وبدا شاباً يافعاً من حيث بُناه التَّحتية، وهذا بفضل اللّٰه ثم بإخلاص قادته وأبنائه الملتفين حولها.
نعم إنها قيادة رشيدة أدركت أهمية بناء الفرد والوطن علىٰ حد سواء، وما هذه الرؤية المستقبلية: (20 - 30) التي جرىٰ التَّخطيط لها، وحصل الفرد بموجبها علىٰ الحرية من المشاغل التي أحاطت به في فترة التَّأسيس الأولي للبنية التَّحتية حيث كان الإنشغال بالتَّأسيس والبنية التَّحتية ضرورة؛ كما كان التَّأسيس ببناء الإنسان؛ والتي لم تغفلها القيادة رغم تكبيلها فترة من الزَّمن من قبل المتشددين بمزاعم دينية لا أساس لبعضها في الدِّين علىٰ مدىٰ السِّنين الماضية، حيث جعلوا من العلوم والمعارف المختلفة خادمة للإتجاه الذي رغبوه وزهداً في العلوم الحديثة التي تجعل من الفرد منتجاً للفكر ومساهماً مع العالم في العلوم الحديثة والمخترعات، بعد أن كانت تلك العلوم ليس لها هدف إلا ما يكرِّس ويضخِّم ويخدم ذلك الإتجاه.
فجاءت الرؤية لكسر التَّابلوهات القديمة والنَّهوض بالإنسان نحو إنسانيته وإبداعاته وحريته المطلقة تجاه العلوم المختلفة
ودمجه في العالم ليبرز في كل المجالات؛ فيصبح منتجاً للحضارة الحديثة لا مستهلكاً لها، ومصدّراً للفكر غير عابيء بما تحدثه سياسات وأطماع وحسد المناوئين لوطنه والهادفة لإشغاله بتفاهاتهم وآمالهم وأحلامهم تفكيك لحمته.
ما تقوم به المملكة...اليوم من جعل الوطن ليس إلا جزءاً مكوناً للإنسان وليس حاضناً له فقط، فأصبح الإنسان امتداد للوطن ومكان يحتويه، وسيصبح الإنسان وجزئه (الوطن) رسالة للإنسانية والعالم تنشر التسامح والعدل والسَّلام والفكر والعلوم والقيم والمباديء الصَّحيحة التي بني عليها دينه ومعتقده.
عبدالرحمن عون.