مواقف كثيرة نحتاج فيها للهروب نحن بني البشر، ويشاركنا في هذا الاحتياج -تقريبا- جميع الكائنات الحية، حتى الاشجار.
أحيانا نهرب إلى الماضي بصفة الحنين إليه؛ لسبر أغوار الذكريات لأخذ قسط من الراحة من أعباء وهموم الحاضر المختلف والشاق، وقد يكون الهروب إلى المستقبل المنسوج بأحلام وردية مكللة بالتفاؤل وحسب الأمزجة والطبائع والعقلانية والخيال لدى كل فرد.
هناك من لا يعشقون الهروب -وإن كانوا قلة- ويعتبرونه نوعا من الجبن وعيبا، وتتركز رؤيته على الاستمتاع بالحاضر والعيش فيه، مع ما قد يتخللها من مواجهة للصعاب قدر الامكان؛ فيكيف أوضاعه ونفسه مع الحاضر متناسيا الماضي وغير عابئ بالمستقبل فلا أمل يحدوه ولا حنينا إلى الماضي يشده.
هذا الشخص الواقعي إذا تمادى في واقعيته المتطرفة فمن المؤكد أنه سيتفاجأ بحوائط تصده، وحفر ومستنقعات تقطع طريقه حتى يصبح متخبطا باحثا عن منقذ له.
وهناك نوع آخر من البشر يحاول الهروب من واقعه الآني وهمه الخاص إلى الواقع الخارجي والهم العام، وهذا الذي يستحق أن نرفع أكفنا بالدعاء له بأن يخرجه مما هو فيه؛ خاصة من يعيش في هذه الفترة التاريخية العصيبة الزمان والمكان التي نعيشها اليوم بالذات، فالهم العام قد يكون أسوأ مايكون عندما يتفشي الوباء والخوف من أوبئة أشد وأشر حسب ما تردده الأنباء، وفي ظل القتل والدمار والأزمات في أكثر من بقعة على المعمورة المدمورة المهددة سواء بظواهر تغير المناخ وما سيحدثه من كوارث في الاجواء والبيئة، او بالحروب العالمية الصغيرة (بالوكالة) كما في ليبيا وسوريا واليمن، أو الكبيرة التي على وشك الحدوث في شرق المتوسط (يبدو أنه سيتم تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الامريكية)، أو في بحر الصين بين عملاقي العالم امريكا وحليفتها بريطانيا ضد الصين وحليفتها روسيا.
ياله من مسكين هذا الهارب من خاص أهمه إلى هم عام أحاط به، فهو {كالمستجير من الرمضاء بالنار} وينطبق عليه المثل الشعبي: ( من جرف لدحديرا).
أبواب الهروب الآن جميعها مقفلة ولم يعد البحث عن السعادة مطلب أهم من البحث عن النجاة في ضل الرؤية التشاؤمية والواقع المعاش؛ الذي ملأته كرونا صخبا وتوتراً، الناجي لازال مشفقاً منها؛ ومن أصيب بها ونجا بقي الخوف والقلق يلازمانه على ذويه وأصدقائه، وفيروسات أخرى قادمة أشد فتكاً (كما يتردد).
بقي بابا واحدا مفتوحا للهرب (باب لا يسد مهما بلغت الصعوبات والشدائد)؛ إنه أعلى الأبواب, وهو باب تجتمع فيه النجاة والسعادة والتفاؤل والأمل، إنه باب الله سبحانه وتعالى.
ولنا ان نتذكر ما سبق أن أوردته لكم في مقالاتي السابقة من حاجة الانسان الملحة للدين، لأن الايمان وحده هو مايوجد الطمأنينة والاستقرار والراحة للنفس شريطة أن لا يكون الايمان تراثا ولا عادة ولا تقليد، بل يكون حراً وخالصاً لله وحده ،وهذا الايمان الحر هو احد الأشكال والصور الفلسفية الحديثة حول المعتقدات .
ان شئت ان تؤمن بغير الله فانت حرٌ في معتقدك حتى وإن كان صنما او بقرة فهذا شأنك ، وإن كنت موحدا فانت اخي المسلم ، وان كنت يهودياً او نصرانياً فلن أعترض عليك ،وانا حرٌ ولي ايماني الخاص الذي انعم به واعيش فلا يحق لك تنازعني فيه .
عبدالرحمن عون.
1 comment
1 ping
عبد العزيز عبد الله عمر
16/09/2020 at 5:27 م[3] Link to this comment
كل الشكر ابا سامي على هذا الابداع ..
فأنت ايضا تقدمت الى الاعلى بفكرك وابداتك وتأملك …