إن الحديث عن العظماء يطول ، مهما أراد الإنسان حصر صفاتهم فهو أمر مستحيل .
والعظماء شعورهم بالمسؤولية جعلهم يكرسون جهودهم في تقديم العامة على الخاصة ، أحبوا أوطانهم ، وبذلوا نفوسهم لخدمتها ، لذا نفوسهم في همم عالية ، ومواقفهم سجلها التاريخ على ممر الأيام والأزمان .
وتاريخ جزرالقمر مليئة بسيرة العظماء منذ بداية عهدها ، وأبرز من اشتهروا بمكارم الأخلاق أسرة المسيلي من آل باعلوي والتي قدمت من حضرموت إلى جزرالقمر للدعوة إلى الله ، فخرج منهم السلطان السيد علي بن السلطان السيدعمر المسيلي ، والسلطان السيدعلي آخر سلاطين جزرالقمر (١٨٧٥-١٩١١).
من هنا رزق الله للسلطان السيدعلي ابنه البار الأمير السيد إبراهيم الذي تولى الحكم في جزرالقمر في فترتين الأولى ١٩٧٠-١٩٧٢م.
والفترة الثانية ١٩٧٥م خلال خمسة أشهر من ٣ أغسطس إلى ٢٠ من ديسمبر ١٩٧٥م.
فمن هذه الأسرة المباركة نظر الشاب الأمير السيدعلي كمال إلى من سبقه من الآباء والأجداد إذكانوا منارا لخدمة المجتمع القمري في جميع المجالات ، فبذل جهوده لتحصيل العلم منذ نعومة أظفاره ، فقطع المسافات البعيدة مرورا بمراحل التعليم باللغة الفرنسية في جزرالقمر إلى أن التحق بالمعهد الوطني الفرنسي للعلوم الادارية ١٩٦٤-١٩٦٧م
ثم اهتم بالعلوم الإنسانية والاجتماعية فدخل في عالم الصحافة والاعلام .
وبعدذلك صارأول قمري يلتحق بالمؤسسة الاعلامية في فرنسا ١٩٦٨م على القناة التلفزيونية الفرنسية مقدما لنشرة الاخبار متنقلا الى جزيرة لارينيون ثم جيبوتي ، وتم اسناد مكتب الاذاعة الفرنسية في جزرالقمر أيام الإستعمار فكان صحافيا بارعا .
وظل الأميرالسيد علي كمال بجانب أبيه الامير السيد ابراهيم في حياته متمثلا بالابن المطيع له إلى أن رافقه في رحلته الأخيرة الى الحج ١٩٧٥م ، وبعد الإنتهاء من شعائر الحج بأيام انتقل الأمير السيد ابراهيم الى رحمة الله ، فتفضل الملك خالدبن عبد العزيز رحمه الله بإرسال جثمانه بطائرة ملكية سعودية إلى جزرالقمر لدفنه هناك ، وهذا الأمر مما عززأواصر علاقة جزرالقمر بالسعودية لاسيما أسرة السلطان السيدعلي الذي كان وفيا للملكة العربية السعودية في عهده بزياراته المتكررة من حج وعمرة.
واستطاع الأمير السيدعلي كمال أن يأخذ زمام الحزب الذي كان يقوده والده وهوحزب الأمة فالتف حوله الاحباب الذين كانوا بصحبة والده ، فأحبوه وقدموه ، فكان مرجعا لهم بتواضعه الذي ورثه من أبيه ، فالتزم بالحكمة والقناعة والصبر ،
فنحن نرى انه كان يمثل شخصية ثقافية ذات بعد ووعي تام من أن الوطنية أعظم شيء في شخصية الإنسان ، فمن لايحب وطنه فلن تسند اليه مسؤولية ، واشتهر بعباراته ( حب الوطن من الإيمان ) .
فتارة تم تعيينه سفيرا لجزرالقمر في فرنسا ١٩٧٨م وانما استقل عن منصبه لتقديم المصلحة العامة على الخاصة لعدم وضوح الرؤية بينه وبين السلطة في ذلك الوقت .
فمواقفه الأبية منعته من الرضوخ والركون إلى قبول المناصب المفبركة التي لاتخدم الشعب ، فظل مستمسكا بمبادئ العدل والانصاف مؤمنا من ان النجاح بالتواضع إلى أن لقي الله صباح الأحد ١٣ من سبتمبر ٢٠٢٠م .
وتم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير بجوار والده الامير السيد إبراهيم في مدينة إكوني في جزيرة القمر الكبرى عصر ذلك اليوم بحضور جمع غفير من المواطنين من أنحاء الجزر.
فمما حدثتني عنه شقيقته الأميرة سفيرة جزرالقمر سابقا لدى اليونسكو في باريس السيدة ثويبة بنت السيدعمر قالت ( إن السيد علي كمال كان بمثابة الوالد ، فكنا نعود اليه دائما في كل صغيرة وكبيرة ، حيث الوالد أوصاه بنا جميعا ، ونحن الأسرة نعتز بأخينا الكبير حيث أنه في آخر رحلة لوالدنا وهو في الحج كان برفقته ليكون من يوطد علاقة الأسرة مع أسرة آل سعود الكرام الذين نقلوا جثمان والدنا من جدة إلى جزرالقمر بطائرة خاصة ملكية ، فإن انتقل الأمير السيد علي كمال إلى رحمة الله فسنظل اوفياء للملكة العربية السعودية بجهودها في دعم الوسطية والاعتدال بقيادة خادم الحرمين السريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله .
إمام وخطيب المركز الثقافي الإسلامي بدرانسي شمال باريس في فرنسا