هل أصبحت نهاية الكثيرين من البشر باتت مسألة وقت بمجرد ظهور فايروس كرونا ؟ أم أن الحكومات تهول من هذا الموقف بينما العالم يسير بسلام ؟
ولنجيب على هذه الأسئلة علينا أن نعرف علم الإحصاء الطبي وعلوم الفيروسات والفلسفة والدين ونجيب على هذا التساؤل ماذا يحدث ؟
تظهر الأرقام أن انتشار فايروس كرونا قد بدأ فعلا في الدالة الأسية . فماهي الدالة الأسية التي ينتشر بها فايروس كرونا . وقبل الحديث عن الدالة الأسية علينا أن نفهم أنه يرمز لمعدل انتشار أي مرض معدي بالرمز R0 أي معدل الانتشار عند الزمن صفر وهو ما يعرف بمعدل الانتشار في بداية المرض وذلك دون مناعة إنسانية ضده ودون أي إجراءات صحية لمنعه , حيث يمثل R0 هو حساب عدد الأشخاص الذين يمكن لشخص مريض واحد أن ينقل المرض إليهم .
اذا كان R0 أقل من 1 فهذا يعني أن المرض سيضمحل بالتدريج حتى ينتهي أما إذا كان يساوي 1 فهذا يعني أنه سوف يكون موجودا في حياتنا ولكن بشكل متوازن أما إن كان أكبر من 1 فهذا يعني أنه سيسبب وباء متفشيا ) OUTBREAK (.
الدالة الأسية لا تعني تزايد الكمية فقط وإنما تعنى تضاعفها في كل مرة , وأرقام التضاعف هي التي أفزعت منظمة الصحة العالمية فبحساب R0 نجده يتراوح بين ( 1.5 إلى 3.5 ) , ولنعود إلى المعلومة السابقة والتي ذكرنا فيها أن R0 إذا وصل لأكبر من 1 فهذا يعني أن المرض تحول إلى وباء فكيف بمعدل 3.5 , فهذا الرقم الكبير هو ما يفسر الانقلاب السريع الذي حدث للعالم كله في خلال الأيام المعدودة السابقة ففي كل لحظة جديدة يقطع الفايروس الجديد لكورونا مسافات أكبر من كل ما قطعه منذ بداية ظهوره .
هنا يظن الكثيرين أن كرونا اختار الدول الأكبر والأغنى وذات الرعاية الطبية الأقوى عالميا والأفضل للانتشار فيها دونا عن المجتمعات الفقيرة أو الأقل إمكانات طبية في أغلب الأحيان .
ولنسأل أنفسنا هنا هل الفايروس يختار الدول الأغنى عن قصد؟ أم أن المنطق يقول أن تلك الدول هي التي تملك قدرة أكبر على اكتشاف المرض بين مواطنيها ؟
من العلماء أيضا أشار إلى أن عاملي المناخ والرطوبة قد يشكلان فرقا ما , ومن الواضح لدى الكثيرين أن هذا صحيح ولكن بفارق ضئيل فقط , أذ بدأت دولا حارة ومختلفة في الصعود على ذات المنحنى الأسي مؤخرا مثل ماليزيا , والبرازيل , وسنغافوره , وربما يأخذ الفيروس وقتا أطول فحسب للوصول إلى الدول الأخرى لاختلاف حركة الطيران , والنقل العام بين الدول تبعا لاختلاف حركة السياحة والتجارة بها .
ولكن في النهاية تخبرنا جميع المؤشرات أنه لن يكون هنا دولة قادرة على الهروب من الوباء , هناك فقط دول أخرى أسبق فحسب , لكنها بالنسبة للجميع مجرد مسألة وقت لا أكثر .
الخيارات المظلمة في مثل هذه الحالة ماذا علينا أن نفعل ؟
في الواقع أمام البشر أربعة خيارات من السيناريوهات والسياسات للتعامل مع كورونا :
السيناريو الأول سياسة ( لا نفعل شيئا Doing Nothing ) :
وبذلك سيصل الفايروس لكل إنسان على وجه الأرض وإصابة ما يقرب من 75% من عدد سكان العالم ولكن كم منهم سوف يموت ؟.
معدل الوفيات من فايروس كورونا يتراوح ما بين 0.6% إلى 5% , وهناك دول ستسجل أعلى من ذلك وسنعرف ذلك من خلال معرفة أن المدى بين 0.6% إلى 5% من الوفيات كبير جدا , لكن ما يجعله كذلك هو أن المصابين بشدة من الفايروس قد لا يجدون العناية الطبية المناسبة والتي تحميهم من الموت , فإذا أصيب الجميع مرة واحدة فسيسحق النظام الصحي بما يمنع توفير العناية عن الجميع , فعدد الأسرة في وحدات العناية المركزة في أي نظام صحي محدود للغاية حتى في الدول المتقدمة في المجال الصحي مثل أمريكا وغيرها , فهي تملك سرير عناية واحد لكل 60 مريضا سوف يحتاج إلى الدخول إلى العناية المركزة , وبالتأكيد في الدول الأقل حالا هي أسوأ بكثير , وبالتالي سيترك الآلاف يموتون في الطرقات ليس لأن حالاتهم مستحيلة العلاج ولكن لأن النظام الصحي يستحيل استيعابهم جميعا , وهو ما حدث بالفعل في البداية بإيطاليا فبعد أيام أصبحت المستشفيات تقدم الخدمة على أساس السن والصحة العامة , وهذا ما سيؤدي بالتالي إلى أنه لن يموت فقط من لن يقدر النظام الصحي على إنقاذه بل سيموت كل من يحتاج إنقاذ من البداية .
ولكن هذا ليس كل شيء في هذا السيناريو الأول ؟
فماذا سيحدث في مرضى القلب ومصابي الحوادث وغيرهم من الحالات الأخرى بالفعل إذا استنفذت الطاقة القصوى للنظام الصحي بأكمله , سيكون موت ما يقرب من 13% من هؤلاء المرضى الذين يحتاجون إلى العناية المركزة لأسباب أخرى غير مرض الكورونا , وبالتالي نحن فعلا لم نقم بأي شيء تجاه هذا الوباء فنحن نتحدث عن أرقام تتراوح ما بين 200مليون إلى 300 مليون وفاة في العالم خلال عام واحد فقط .
السيناريو الثاني ( سياسة التخفيف Mitigation ) :
في سياسة التخفيف سوف نترك الوباء ليأخذ مجراه ولكن سنقوم بتبطيئه فقط ولكن كيف سنقوم بذلك ؟
وذلك من خلال إخفاض مستوى ذروة الوباء بحيث يصاب نفس العدد , ولكن على فترة أكثر طولا , وهو ما سيؤدي التقليل من معدل انتشار الوباء ولكن ستظل R0 أعلى قليلا من 1 , وسنقوم من خلال هذا السيناريو بإجراءات خفيفة فقط للعزل الاجتماعي وسنسمح لصغار الصن والأصحاء بالإصابة بالفايروس لاكتساب مناعة ضده .
وهكذا سنمنع على المدى البعيد أي موجات لاحقة مثل الموجات الثانية والثالثة والتي عادة تكون أشد فتكا من الموجة الأولى كما حدث في وباء الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918 م , والمشكلة التي تواجه سياسة التخفيف هي أن الأرقام لا تظهر معدلات وفاة مرضية , وسوف تقوم باستنفاذ كامل للنظام الصحي ولفترة أطول , وهذا ما أثبته التقرير الحديث لهذه السياسة من الكلية البريطانية الطبية بلندن مؤخرا , وبين أنها ستؤدي إلى ما يقارب من 250.000 الف وفاة في بريطانيا فقط , وحوالي 1.200.000 وفاة في الولايات المتحدة , وهذا ما جعل الدولتين تغيران سياستها مؤخرا بعد ذلك لأن هذه السياسة في نظر قادتها غير مقبولة تماما, كما وأن هناك مشكلة أخرى في هذه السياسة وهي اعتمادها على اكتساب المصاب بمناعة طويلة المدى تجاه المرض , وهذا النقطة ما زالت محل شك نظرا لأن الدلائل تشير أن الفايروس له عدة تغيرات وطفرات خلال الشهور القليلة السابقة في رحلة انتقاله من الصين إلى بقية دول العالم , وهذا يدل أننا الآن لا نتعامل مع سلالة واحدة في العالم من فايروس كورونا الجديد وإنما من عدة سلالات , وسوف نتعرض للمزيد والمزيد من التغيرات بشكل مستمر , وأن أفضل طريقة للفايروس كي يغير من نفسه هو إصابته لعشرات الملايين مما يعنى عشرات الفرص للطفرات وهو بالضبط ما ستؤدي إليها سياسة التخفيف .
السيناريو الثالث ( سياسة الإخماد Suppression ) :
في سياسة الإخماد سوف نضرب بقوة على ذروة منحنى الوباء لإخفاض معدل انتشاره R0 لأقل درجة ممكنه وسوف نقوم بإجراءات عزل قاسية للناس في بيوتها وسوف تعطل الدراسة والأعمال في كافة البلاد , وبهذه الطريقة لا ينهار النظام الصحي , ونبقي على عدد الوفيات في حدودها الأدنى 0.6% وهذه هي السياسة التي تم اتباعها في الصين في وقت متأخر نسبيا فأصبحت نسبة الوفيات 3.4 % , وفي كوريا الجنوبية في وقت مبكر فصارت نسبة الوفيات 0.9% , وهي السياسة التي قامت بها إيطاليا في وقت متأخر جدا فوصلت لنسبة وفاة تقارب 9% .
فما الذي يمنعنا من هذه السياسة فهي تبدوا فعالة جدا ؟
المشكلة أنها كي تنجح فإننا نحتاج إلى عزل اجتماعي كامل , وإيقاف لكامل أنشطة الحياة لمدة تزيد عن العام وهذا سوف يدمر الاقتصاد تماما في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء مما قد يدفع إلى انفلات أمني وصراع من أجل البقاء , والوصول إلى سيناريوهات أشبه بنهاية العالم , فلا فرق بين أن تقتل الناس بالوباء أو تقتلهم جوعا وتشريدا , للأسف لا يمكننا فعل ذلك أيضا .
السيناريو الرابع ( سياسة الإخماد المعدل Modified Suppression ) :
وهذه السياسة التي اعتمدتها كثيرة من الدول مؤخرا , وفي الفترة القادمة في التعامل مع هذه الأزمة , كما وأوصت الكلية البريطانية الطبية في التقرير الذي طرحته تحت عنوان ( تأثير التدخلات غير الدوائية على 19 COVID- وطلب تقليل وفيات الرعاية الصحية ) , وفي هذه السياسة سنقوم بمرحلتين , مرحلة من الإخماد العنيف يتعبها مرحلة من التخفيف , الإخماد للفايروس سيكون من خلال إجراءات العزل القاسية حتى يصبح معدل انتشار الفايروس لقيمة أقرب للصفر من 1 , وهو ما قامة به الصين في ووهان , حيث كانت قيمة الانتشار تساوي 3.9% R0 = حتى وصلت إلى 0.32 فقط , وتوصي الكلية البريطاني بالإخماد العنيف لمدة قد تصل إلى 6 أشهر من منتصف شهر مارس وحتى منصف سبتمبر القادم .
ولكن هناك مراقبين تتبعوا أوراق الكلية البريطانية بالنقد موضحين بعض العوامل غير الموضوعة لم تؤخذ في الحسبان لديهم , وتوقعوا أن فترة الإخماد القاسية قد لا تحتاج أن تمتد إلى أكثر من مجرد أسابيع وليس عدة شهور , واذا استطعنا الحد من معدل انتشار الفايروس والوصل إلى الرقم الأقرب للصفر , هنا يبدأ الجزء الثاني من الخطة وهي عودة الحياة بنسبة كبيرة ولكن غير كاملة بشكلها الطبيعي .
وفي هذه المرحلة سوف تكون هناك إجراءات مشددة على النظافة الشخصية للأفراد مع التوسع في الفحوصات الطبية وتتبع الحالات المصابة وتحديد للسفر والتجمعات الكبيرة , ولكن مع عودة الناس إلى أعمالها وعودة الاقتصاد لمجراه الطبيعي في هذه المرحلة لا تحتاج أن يكون معدل انتقال الفايروس قريبا من الصفر ولكن يجب أن يبقى بشكل ما أقل من R0=1 .
وهنا علينا أن نتبع عدة إجراءات اجتماعية نحتاج فعلها في كل مرحلة من هذه السياسة في هاتين المرحلتين مما يحقق معدل الانتشار المطلوب مع أقل درجة ممكنه للاقتصاد , وفي نفس الوقت الحفاظ على نظامك الصحي من الانهيار فهذا هو السؤال الذي يتمنى كل سياسي وصانع قرار في العالم لو يمكنه أن يجيب عنه , وربما نرى كثير من القرارات الخاطئة ويبقى هناك أشياء أيضا علينا أن نتعلمها في المرحلة القادمة .
في النهاية ماذا نفعل فعلا من كل هذا هو شيء واحد " شراء الوقت " فمجرد مزيدا من الوقت هو ما نتمناه ونتوق إليه , فمع الوقت يمكننا أن نتعلم المزيد عن هذا الفايروس وسلوكه حتى نستطيع بناء نماذج أفضل للوقاية منه , أو الأمل الأكبر وهو بعون الله عز وجل أن تتمكن البشرية من صنع لقاح فعال ضده في الشهور القادمة بإذن الله .
فهل العالم كان يحتاج إلى صدمة مثل كورونا كي يقدر على تحمل كلمة بوريس جونسون الحقيقة الموجعة " استعدوا لفراق أحبابكم " .
ولكن المؤمن بالله وبلقائه والجزاء في الآخرة لم يكن يحتاج إلى وباء يجتاح العالم كي يعلم أنه يجب عليه أن يستعد دوما لفجأة هادم اللذات الموت الذي يفرقه عن أحبابه أو يفرق أحبابه عنه بل يتذكر دوما وصية جبريل عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وسلم ( يا محمد عش ما شئت فإنك ميت , وأحبب من شئت فإنك مفارقه , وأعمل ما شئت فإنك مجزي به ) .
* بتصرف ونقلا عن تقرير مرئي لرواسخ الإعلامية .
1 comment
1 ping
م بابكر
02/04/2020 at 12:50 م[3] Link to this comment
نسأل الله اللطف