كنت قد كتبت سابقاً موضوعاً عن البقاء للأذكى في مؤسسات الاعمال ، وأن الاحداث تتغير، والأدوات تتطور، والأساليب تتبدل ، والطرق تتفرع، سواء على مستوى المؤسسات أو المجتمعات . وهذا ما ينعكس فعلاً على الفرد بكل مستوياته التعليمية ، ومهاراته الحياتية ، فالتأثير والتأثر حاصل لا محالة ، سيطال الكل ، ولكن كيف السبيل إلى التعامل والتكيف ومواجهة ذلك؟ ، وكيف لنا ان نستمر أو نتقدم أو نتطور و نتكيف ؟ ، وكيف يكون البقاء للأذكى في المنظمات ؟ والبقاء للأصلح للأفراد؟
إن مواجهة أي مشكلة تبدأ بالتعرف على أبعادها وإن حلها يبدأ بخطوة واحدة هي (الوعي ) وتكتمل بآلاف الخطوات من الفعل والعمل ، والعمل الصالح هو الذي يبقى ويقيل . قال تعالى ( والعمل الصالح يرفعه)
أن التغييرات والتبدلات الحاصلة ، وما تترتب عليها من أثار لاسميا ضغوط الحياة هي ظاهرة حتمية ، وطبيعية، وشاملة لكل المخلوقات ، وهي سنة كونية وقانون رباني ومرغوبة أيضاً ، لأنها تثير التحدي وتساعد على التكييف والتغيير والتطور، ومهمة للإنسان لاكتشاف قدراته، وطاقاته الكامنة، وتطوير الحياة على الأرض ، ولولاها لكنّا كائنات عاجزة لا قيمة لها .
اذن !!البقاء للاصلح الواعي .والهدف الذي اسعى إليه هو أن تكون (( طبيب نفسك )) ،، حتى تكون لك السيطرة عليها بقدر ما تملك من طاقات كامنة ومهارات فعالة بأبعاد مشكلة ضغوط الحياة ، وحتى يتم ذلك لا بد أن تمتلك القدرة على التشخيص والعلاج الذي يبدأ بالوعي ويكتمل باتخاذ موقف المواجهة والمقاومة والتغيير ، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وأحقية الحياة والبقاء للأصلح .
أنت أقوى من ضغوط الحياة !!!
ضغوط الحياة ببساطة هو (حالة الشقاء والكبد) التي يعيشها الإنسان على الأرض ، ومفهومها –أيضاً- أنها استجاباتنا للتغيرات التي تحدث في حياتنا ، ( وهي حالة الكفاح أو الجهاد ) التي تنشأ حينما تتجاوز مطالب الإنسان مصادره المتاحة بهدف اكتشاف منابع جديدة للطاقة الكامنة لمواجهة الأزمات والتطور مع تحديات الحياة ، وهي (قوة تتطلب طاقة ) وهذا المفهوم الجديد لضغوط الحياة يؤكد أنها القوة ( قوة التغيير ) التي تتحدى الإنسان وتفجر طاقاته الكامنة بقدر محسوب ومنظم ليزداد قوة وصحة ونضجاً ، ويصبح أكثر قدرة على التكيف والتطور ، والعوامل المسببة لضغوط الحياة كثيرة لكنها ليست دائماً مؤلمة فبعضها سار .
وليست كل ضغوط الحياة لأسباب خارجة عن إرادتنا ومن صنع الطبيعة فبعضها يسببه الإنسان والبعض الآخر نسببه لأنفسنا ، كما أن ضغوط الحياة ليست غير صحية وضارة دائماً بل أنها قد تكون صحية ونافعة وغالباً ما ينتقل الإنسان بين أنواع ضغوط الحياة الصحية وغير الصحية وذلك حسب نوع العوامل المسببة للضغوط ومدى لياقة الإنسان وقدراته ومهاراته ، والآثار الناشئة عن ضغوط الحياة مختلفة وتتراوح بين:-
- الآثار الإيجابية وذلك في زيادة قدرات الإنسان ونضجه ونمو طاقاته وتحسن صحته وارتفاع مستوى إنتاجيته وأدائه ، وبين
- الآثار السلبية وذلك في مستوى جسده ونفسه ومجتمعه وتبعاً له يتدهور مستوى الإنتاجية والأداء ،
أن لكل إنسان نقطة ضعف كامنة في أحد أعضاء جسمه المترابطة معاً إذا تجاوزت ضغوط الحياة قدراته على المواجهة انهار هذا العضو ، وإذا لم يستعد الإنسان توازنه ويحافظ على صحته انهارت باقي أعضاء الجسم الأخرى .
وكما ابتلانا الله بالكرب ومشقة الحياة ، فقد وهبنا سبحانه وتعالى تلك ( الإشارات التحذيرية ) التي تصدر من داخلنا لتحذرنا وتنبهنا إلى وقوعنا تحت ضغوط الحياة لمواجهتها .. إنها صداقة الجسم وحرصه على النفس ، وقانونه الذي لايرض إلا بالاصلح فيرسل نبضاته وإشاراته في حديث متصل معنا لوقايتنا من أضرار هذه الضغوط من خلال التعرف على أعراض ضغوط الحياة المختلفة ( الجسمية والنفسية والاجتماعية ) في مراحلها الثلاثة ( الإنذار – المقاومة – الإجهاد ) .
أن هناك مواداً كيميائيةً وهرمونات يفرزها جسم الإنسان عندما يتعرض لمواقف وأحداث الحياة المختلفة ، وتختلف باختلاف الحالة الانفعالية تجاه الحدث . فإذا كانت الحالة الانفعالية سلبية ومشحونة بالأسى والغضب والامتعاض ( وعدم التقبل لقضاء الله وقدره ) ... أفرز الجسم (( مواداً هادمة )) تؤدي إلى اعتلال الصحة والإصابة بالأمراض المختلفة .
وإذا كانت الحالة الانفعالية إيجابية ومفعمة بالسعادة أو الثقة ( والرضا بقضاء الله وقدره ، وحمده على نعمه ) .. أفرز الجسم (( مواداً بنّاءة )) تؤدي إلى إنعاش وتحسن صحة الإنسان .
وتحضرني قصة تؤيد الأثر الخطير للخيال التجاوزي السلبي على حياة الإنسان .. (يحكى أن عامل سكة حديد في روسيا دخل أحد العربات الثلاجة بالقطار ، ودون قصد أغلق الباب خلفه ولم يستطع فتحه ، وعندما باءت محاولاته للخروج بالفشل وتأكد أن مصيره الموت لا محالة شرع في كتابة قصة مراحل موته على جدران العربة ، ووصف بدقة كل ما شعر به بدءاً من برودة أطرافه وتنميلها إلى سريان الشعور بتجمد جسمه ببطء ودخوله في النوم تدريجياً حتى لم يعد قادراً على الكتابة .. وكانت هذه آخر كلماته ، وعندما فتحت العربة فيما بعد وجدوه ميتاً بجوار آخر ما كتبه ، لكن المفاجأة التي لا يتوقعها أحد أن جهاز التبريد بالثلاجة كان معطلاً ، وكانت درجة حرارة العربة في حدود الطبيعي وكمية الهواء كانت كبيرة وأكثر من كافية ولم يجد أحد سبباً عضوياً لموت هذا العامل المسكين ، وكان التفسير الوحيد أنه ضحية تفكيره المريض وسوء تأويله واستنتاجاته الخاطئة ) .. لقد قتل نفسه بوهم نفسه .
وعي نفسك ، وتفاءل وتوكل على الله ، فالتفاؤل ينتقل للآخرين مثل العدوى ، فابتسم .. ابتسم .. ابتسم .. إن هذا سوف يساعدك ويساعد الآخرين أيضاً .
والآن .. تستطيع متابعة السير في حياة لا تخلو من الضغوط لكنك سوف تحقق إنجازات كبيرة لأنها ستجعل للحياة قيمة .. وهذا يتطلب منك جهد خلاق في الحياة ، فلا مكان في هذا العالم إلا للناجحين الأذكياء ( الأصلح ) الذين يعون ويعرفون كيف يعملون ! وكيف يتكييفون ! وكيف يعيشون أطول ليستمتعوا بحياتهم .
(( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرَ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ))
(اللهم اجعلنا ممن عمل صالحاً ترضاه)