كنت قد تطرقت في مقالات سابقة عن الحاجة الملحة التي يحتاج فيها البشر الى الدين، وأنه ضرورة لا ترف، وليس للشعور بمعنى الحياة والخوف من الموت واختيار المآل، إنه أيضا حاجة للشعور بالانتماء هذا فضلًا عن التشريعات والقوانين التي أتت بها التشريعات السماوية، والتي لم يدرك البشر بعض من حكمتها بوقتها،لكن ربما تتضح في فترة ما أو زمن ما إو بعد أجيال وفي فترات أخرى لاحقة، لأنهم لو أدركوها وقت نزولها أو مجيئها لأمنوا بشكل مطلق، ولكن لمحدودية المعرفة عند الإنسان وعدم اكتمال نضجها لم يدركها إلا من بعده وبعد فوات أوانه فمات وهو ظالم لنفسه، وكم من إنسان قد يدرك جهله وقد لا يدركه كلما زادت معرفته.
في شريعة موسى عليه السلام الحكم على العاق لوالديه هو القتل،وموسى هو الذي أتى بالتشريع وطبقه كما أمره الله، وخيل له أنه الأعلم على الأرض، لكن الله أراد تأديبه بعدم علمه باشياء أُمر بها وطبقها ورغم ذلك يجهلها ويجهل الكثير، فاحتج على سيدنا الخضر عندما قتل الغلام العاق، ليقف موسى مشدوها امام فعل وتطبيق حد من الحدود هو من أرسل وكلف به ،وبالتالي يجب عليه الوقوف عند حده من العلم والمعرفة وعدم ادعاء ما ليس يعلمه، لان فوق كل ذي علم عليم.
هذا موسى نبي مرسل أعطي العلم من الله وأعطي المعجزات وكلم الله تكليما، فكيف لمدعي علم بشري ان يتجاوز حدود ما شرعه الله وآمر به، ويجتهد في أمور تخص الخلق ويدعي الوكالة عن الخالق.
لقد خص الله بني آدم بالعقل والتدبر والحكمة، لاستعمالها في حدودها وإمكانياتها وعدم التجاوز أو التطاول على الله، وينطبق هذا أولا على المتخصصين في علوم الدين، فيجب أن يكونوا الأكثر حذرًا والأكثر أخذًا للعبرة وعدم التجاوز بالتحليل والتحريم وادعاء المعرفة المطلقة والوكالة عن الخالق في المخلوقين، ثم إن أهل التخصصات العلمية الأخرى الأجدر بهم أن يكونوا الأشد حرصًا ومعرفة بحدودهم نتيجة حجم المعرفة المتراكم لديهم وادعائهم الذكاء والقدرة على الاكتشاف والابتكار والاختراع والتطوير، ولما نسمعه ونعرفه عن غالبيتهم من العباقرة والبروفيسورات والاستشاريين وأصحاب الاختراعات والهندسة والتقنية بان لديهم ذكاء خارقا وعقولا فذة، يجب ان يكونوا اكثر علمًا بجهلهم ،حيث ان ما أوتوا من العلم إلا قليلا مما يسره الله لهم ،ويجب عدم تجاوز حدهم في الغرور والغطرسة والتكبر على الله.
وبما ان العلم والمعرفة والابتكار قد وصلت الى حدود مرتفعة وسقف عالٍ من التجاوز على الخالق في هذا العصر،فابتدأ بلعب في الجينات وكشف سلسلة الجينوم والهندسة الوراثية، ودقة تجزئة الوقت والثواني ومع دقة التصوير وتكبير الأحجام والتحكم في الفيروسات والتطور في البيولوجيا بشكل عام ،وهندسة الأسلحة الذكية وغزو الفضاء وتطوير التكنولوجيا والتقنية وتصنيع قطع الغيار البشرية وتطوير الإنسان الآلي ومحاكاته للبشر، تدعوا الى الاعتراف بالعجز التام أمام خالق البشر وعقولهم وقدراتهم وحدود المعرفة التي يجب عدم تجاوزها إلا في حالة الاعتراف التام بوجود خالق يسر له ما عمله وأعانه إلى الوصول لما وصل إليه وإلا لن يصل إلا إلى هلاكه هو ومن معه.
ويجب علينا ان نعرف أن الله على كل شيء قدير، يريد بنا الخير ونحن نصنع الشر بانفسنا،وكما طوع لنا العقول والتفكير لنعرفه ونوحده ونكون به اكثر ايمانا،فإذا بنا ننكر وجوده ونباهي بإلحادنا،ولا يستبعد ان نقع في شر اعمالنا، فرب فيروس او جين تحتقره ونلعب به ونظن اننا قادرين عليه فيحصدنا، وهنا نذكر بقول الله جل وعلا: { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}يونس24
2 comments
2 pings
احمد الزهراني
18/03/2020 at 8:04 م[3] Link to this comment
مقال رائع جدا اخي عبدالرحمن ربي يوفقك
عبد العزيز عبد الله عمر
11/04/2020 at 7:14 م[3] Link to this comment
مقال يستحق كل تقدير واحترام
كل التوفيق ابا سامي ..