لم تكن الجزيرة العربية قبل الإسلام سوى قبائل مهنتها الإغارات والسلب والنهب والطغيان والجبروت (مهايطة جاهلية عمياء)، وتفاخر بالأنساب والأحساب والاقتتال فيما بينها، حتى إذا ما جاء الإسلام وقال الله جل وعلا: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فكان اول نور لفك جهل القبلية والعصبية، وتقبل الإسلام بلال الحبشي وسلمان الفارسي، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {سلمان منا آل البيت}، نعم لقد حارب الإسلام ونبذ العصبية والقبلية والتفاخر بالأحساب والأنساب لكنها كانت للأسف فترة قصيرة لم تدم الا سني بعثته عليه السلام، ولم تكن كافية لتتعمق في نزعها من الجذور، وسرعان ما تناسوها بعد وفاته عليه السلام فانتكست القبائل على أعقابها، بل وارتدت عن الاسلام مما اضطر الخليفة أبا بكر الصديق (رضي الله عنه) إلى اعادة إخضاعها وأخذت وقتًا ومالا ورجالًا لإعادتها، وفي آخر الخلافة الراشدة التي انتهت بحرب وقتال لاستعادة مجد بني أمية (بني سفيان) في قريش بصفتهم زعماء مكه قبل النبوة، وبني هاشم سدنة الكعبة وأهل بيت النبوة، -معاويه ابن ابي سفيان وعلي ابن ابي طالب- فانتصرت السياسة والدّهاء على الدين في موقعتي الجمل وصفين، هذا ما رواه التاريخ الذي لا زلنا نطالب بتحقيقه وتنقيحه بشكل علمي للاستفادة من دروسه وعبره، ونحن هنا لسنا بالمحكمين وليس مطلوب منا الحكم بالصواب والخطا على احد طالما ان ما كتب حقيقة (لم تكتب الحقيقة كاملة)، نستعيد مقولة: (المنتصر هو من يكتب التاريخ) فأمرهم إلى الله وإلى الله مصيرهم.
أخذ الاجتهاد الصائب والخاطيء في الإسلام وأهله مأخذه فتدخل الدين في السياسة والأثر العكسي لتدخل السياسة في الدين كان أكثر فتكًا وأشد وضوحا، فوضعت الأحاديث والاستشهادات وأصبح الحديث والمحدث محل القرآن ربما مضاهاة للنصرانية المكثرين من (قال الرب المسيح ) وهم من الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة، فظهر ما يودون إظهاره وأخفوا ما يريدون إخفاءه من الأحاديث والسنن والوثائق.
مذاهب وطوائف وفرق ظهرت فزادت الإسلام فُرقة وتشرذما وضعفاً، وأصبح الإسلام مركب من لا مركب له، فقد تزعمه الأمويين والعباسيون والسلاجقة والفاطميون والأيوبيون وحتى القرامطة والنصيرية والاسماعيليين والصفويين و....،،،،،،.
إن أحقادنا تنمو لكن يجب أن لا تكون نحو الخصوم الذين رحلوا فليس لنا أن نحاسبهم لنتركهم للحكم العادل والله -سبحانه وتعالى- أعلم بهم.
أحقادنا تنموا لكن يجب أن تكون نحو أنفسنا، لأننا قبلنا الانقسامات وأطعنا الأعداء ولبينا لهم نداء الفرقة والاختلافات، وعشنا في ذل وهوان الاستعمار للأوطان وللأفكار والعقول.
أحقادنا تنموا لكن ضد من كان سبب تفرق مذاهبنا وجماعاتنا وإسلامنا وشيعنا وطوائفنا، هذا ما حصل من الدول والإمبراطوريات التي تداولت سلطة الإسلام لخدمة مصالحها وأطماعها السياسية وتقبلت المكائد وأصبح هذا واضحا وجليًا ولا يخفى على كل ذو عقل ولب، ولكن يجب ان نوقف هذه الأحقاد ونتسامح.
عرفنا ونعرف أن الثورات العربية والإسلامية لم ولن تنجح أبدا ما دام الساسة هم المنظرون والمسيطرون عليها، ولن تتركهم الدول الكبيرة دون توجيه، وليس لنا الا امتطاء صهوة العلم مع فهم الإسلام كما هو دون أحقاد على أحد مهما كان سابقا أو لاحقا، لا الآن ولا حتى مستقبلا، واصلاح العقول والعودة الى الرشد ونبذ العنف والتطرف وتنمية الأوطان والعقول والبعد عن الفحش والشتائم، وترك الوصاية باسم الدين لتغذية التطرف وزيادة الفرق والفرقة،
ولكل من انبرى لكيل التهم جزافًا على من يختلف معه ويخالفه ليس المذهب والطائفة والجماعة فقط ولكن حتى في المعتقد، فهنا يحق لنا ان نحقد لان الله عز وجل قال: { لكم دينكم ولي دين}.
إن نمت الأحقاد فهي لن تنموا بعد الآن إلا على من لا يعي ولا يدرك الواقع الفعلي للعصر، ولم يأخذ بأسباب الحياة الحديثة لكي يتيح الفرصة لأجيال قادمه اكثر عقلانية ونضجًا لتنهض من جديد وبمعطيات مختلفة وواقع يفرضونه ولا يفرض عليهم.