ما القوة الحقيقية التي ينجذب لها الإنسان ؟ القوة التي تدوي صرخاتها في كل وادي و تلوي الاعناق أينما ذهبت ؟ ما الذي يحمل الإنسان على تبجيل شيء ما الى درجة العبادة؟ لنعد قليلا الى الازمنة الغابرة ، ماذا عبد الإنسان منذ ان حطت قدما والدنا ادم على الأرض بل نعد خطوة للوراء و نفكر لما اخرج الله سبحانه وتعالي ادم من الجنة. لعل جمال الشجرة وحب حواء هو ما عجل بوالدنا آدم للإقدام على تلك الخطوة . ثم هبط الأرض وعلم أبناؤه عبادة الله عز وجل، ولكن دب الحسد في قلب قابيل حين لمح هابيل وقد قدم أجمل ما لديه فقتله . ثم توالت حيل أبليس لإيهام أحفاد آدم بآلهٍ وهمي واعتمد الجمال والقوة لينجح ، فكانت الشمس والنار والجبال والأصنام التي برع نحاتوها ليبهروا من يراها ومن خيالهم الواسع ظهرت أشكال فنية إغريقية و فرعونية ورومانية وهندوسية غاية في دقة الصنع لتفتن من يراها و لتُعبد دون الله عز وجل .
الجمال الحقيقي الذي يبحث عنه كل ذكر أو أنثى. لما تلفت انتباهنا المرأة الجميلة؟ بل تذهلنا لوهلة عما كنا فيه والأمر لا يختلف أبدا عند النساء فهم بشر مثلنا يفتتن مثلنا حين يرون الرجل الوسيم . وقصة نصر بن الحجاج في عهد الخليفة الفاروق شاهد على ذلك . فنصر جمع جمال الوجه وعذوبة الشعر فقال في اخر معشوقته
أني لأحبك حباً لو كان فوقك لأظلك ولو كان تحتك لأقلك
هذا ما يحدث عادة وخاصة في اللحظات الأولى . نقترب من ذلك الجمال و نأمل ان نرى ما نلهث وراه طوال حياتنا ، وهذا ما يختاره المخرجون في انتقاء الممثل الوسيم والممثلة لجذب المشاهد . ثم ننتقل للمرحلة الأخرى فالجمال الجسدي والشكلي هي الخطوة الأولى ثم نعتاد هذا، مهما كان الشخص جميلا في الشكل نعتاده ثم نصدم بالحقيقة . والأدلة أمامكم بالآلاف كيف يقوم شخص بخيانة زوجة بارعة الجمال مع أخرى والعكس صحيح مع الأنثى حين تترك الرجل مهما كان وسيمًا !
الخطوة القادمة هي جمال الروح والأخلاق وهذه تنمو مع الوقت ، فالأخلاق تثبت أمام عوامل تعرية الزمن الذي لن ترحم وجهًا ، مهما كان جميلاً وسيمًا .
حين تواجه الجمال الروحي والجسدي ترى فعلا الجمال الحقيقي الذي تطمح النفس إليه .
أخصائي الدعاية والإعلان يعلم هذا جيدا فيبذل جهدًا كبيرًا في الألوان والأشكال لتنجح السلعة . وهذا أيضا ما يعمل عليه من " اقتنع واهمًا بشهرته" ادعاء ووهم انه الأجمل والأمثل حتى تسقط الأقنعة ويظهر الوجه الحقيقي الذي طالما خدعنا. وحين تفشل الأنثى بجمال عقلها ، تلجأ لجمال جسدها فتتعرى شيئا فشيئ حتى تستهلك تماما وتصبح كغلاف الهدايا الذي يرمى بالزبالة بعد الاستخدام .
الإعلام المسير بالمال ظلل الحقيقة وتماهى الناس مع الأوهام فتهاوت الأخلاق و اعتلت الماديات صدور وعقول البشر وبطونهم تعوي للمزيد من الأضواء والنجاحات.
لنعد الى القلب السليم الطاهر من العلل واهمها العلل الأثقل والثلاث : البخل والحسد والكبر كما أوصانا سيد شباب أهل الجنة الحسن بن علي ابن ابي طالب ، من طهر قلبه من الأدران وخاصة الادران الثلاث فقد وعي نفسه الحقيقية وبدا رتوة نحو جماله الحقيقي وهذا لن ينتهي حتى لو استحال الجسم جسداً ثم رفاتاً بل تبقى ذكراه عطره عبر الأجيال