ما نوع الأزمة ؟ من المنتصر ؟ من الخاسر ؟
البداية :
في علم الأزمات كتحليل لأزمة ما، يجب العودة للوراء لقراءة بدايتها، ومن ثم تتبع خطواتها، وصولا للمرحلة التي وصلت لها، وفي الأزمة التي أنا بصدد تحليلها الآن يتبين التالي :
المنطقة الآمنة :
تم الاتفاق عليها مسبقا بين أمريكا و تركيا ولكن لم يتم تحديد موعد انطلاقها، رغم الاجتماعات التي حدثت بين الجانبين إلا أنه لم يتم تحديد الموعد لذلك. حين شعرت تركيا أن هناك نوع من المماطلة من الجانب الأمريكي قررت فعل ذلك بنفسها دون أمريكا
ما حدث هو التالي :
قامت تركيا بإبلاغ أمريكا عن موعد انطلاق العملية، وليس صحيحا أن ترامب أو إدارته لا علم لهم بذلك، بل أنهم غضوا الطرف عن ذلك ( كضوء أخضر ) وقد قام ترامب بإصدار قرار سحب القوات الأمريكية من تلك المواقع ( هذا دليل بعلمه ما سيحدث لاحقا ) قبل بدء العملية.
قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا
الغرض منه هدفين :
- تشتيت الكونغرس عن التحقيقات التي يجريها لعزل ترامب فيما يخص أوكرانيا (ما حدث خلال المكالمة الهاتفية) وهذه الاستراتيجية تستخدم في الأزمات كأزمة فرعية ضد الأزمة الرئيسية
- حصد أصوات انتخابية في الانتخابات القادمة
طبعا تحقق الهدف الأول (مؤقتا) فانشغل الكونغرس بمحاولة إلغاء قرار ترامب لهذا الانسحاب، وتم تأجيل التحقيقات لفترة مؤقتة، وكذلك نجح ترامب في استغلال اردوغان فيما يسمى بالمنطقة الآمنة ( فخ ) ووجد فيه طوق نجاة آخر، واردوغان يعلم بذلك الاستغلال ولكنه وجدها هو أيضا فرصة سانحة.
انطلاق العملية :
انطلقت العملية وتوغلت تركيا ( لأهداف محددة ومتفق عليها مسبقا مع أمريكا و روسيا* ) وذلك بعد انسحاب القوات الأمريكية من تلك المواقع، وألحقت بالأكراد خسائر بشرية كبيرة، فضلا عن حصولها على المناطق التي تريد إنشاء المنطقة الآمنة عليها .
*روسيا لديها علم بالعملية
أثناء العملية :
- قامت تركيا بالتوغل وتحقيق أهدافها
- قام ترامب بالتخلي عن الأكراد وقال ما قال فيهم
- فرضت عقوبات كبيرة على تركيا من الإتحاد الأوروبي
- رفضت الجامعة العربية هذا التوغل ونددت به
- روسيا امسكت العصا من المنتصف (سياسة دائمة)
وماذا حدث بعد كل ما سبق ؟
حين شعر ترامب أن ما أراد قد تحقق وأن اردوغان أيضا حصل على ما يريد، قررا إيقاف العملية ( الفخ/ الاستغلال ) فقام بإرسال نائبه ووزير خارجيته إلى تركيا، وتم الاجتماع بين الطرفين واتفقا على إنهاء العملية ( حتى لو مؤقتا ) وهذا الاتفاق مدفوع الثمن ( ليس مجانا ) وتم وضع البنود .
ماذا كسب ترامب ؟ ماذا خسر ؟
المكاسب :
- صنع/ افتعال أزمة في الكونغرس وحقق ما يريد، وكذلك زرع فيهم ارتباك وتصور بأنه صعب المنال أو العزل وأنه صادق في تهديداته (في حال عزلي سيكون هناك حرب أهلية داخلية)
- وعد الانسحاب من الحروب كوعد انتخابي وقد أوفى به، وهذه نقطة في صالحه.
الخسائر :
- ما عاد أحد يثق به، وهذا سيسبب خسارته للحلفاء، ولكن رغم ذلك ترامب لا يهتم كثيرا لذلك الأمر ( شخصيته كشفت عن ذلك في أكثر من مناسبة/ حدث/ أزمة )
- في حال خسارته في الترشح لولاية رئاسية ثانية سيكون عرضة للمساءلة وللعقوبة ( قد تصل للسجن ) وفريسة للقانون وخصومه.
ماذا كسب اردوغان ؟ ماذا خسر ؟
المكاسب :
- فعل ما قرره مسبقا (التوغل) والمنطقة الآمنة
- كبد أعداءه خسائر بشرية كبيرة ( الأكراد )
- ألغى العقوبات الأمريكية أو أوقفها، وهذا دليل أن الأمر مرتب بينهم وبين ترامب ( لو قرر الكونغرس المضي بإكمال العقوبات ترامب سيستخدم الفيتو )
الخسائر :
- الاقتصاد التركي سيعاني لفترة طويلة من التدهور
- الإتحاد الأوروبي سيظل في مناكفات مع تركيا
- إمكانية حدوث هجمات تخريبية/ إرهابية في الداخل
- توتر العلاقات مع دول الجوار ( ستكون عام 2020 أكثر توترا من أي وقت مضى )
- خصومه ( الأحزاب المعارضة ) سيجدون فرصة لإضعافه
أخيرا :
من المنتصر ؟ من الخاسر ؟
الجواب : كلاهما منتصر، وكلاهما خاسر
- ترامب واردوغان أديا دورهما بإتقان وقبضا ثمن التذاكر
- الجمهور يعرف نهاية هذه المسرحية، لكنه يظل جمهور
- كلاهما جيدان في افتعال/ صنع الأزمات
- سيكرران نفس السيناريو ولكن في مكان/ زمان آخر
؛
دكتوراه في الإعلام وإدارة الأزمات
18 أكتوبر 2019 م