مدينة الحمراء مدينة رؤوس الجبال الحادة تتربع قممها العالية في المصاف الأولى بشبه الجزيرة العربية ، جمعت جماليات الطبيعة بأراضيها الصلبة حيث الأشجار والنباتات تحدت تلك الصلابة لتشق نفسها ظاهرة للعيان بمدى قوتها ومعايشتها الظروف الطبيعية لتشكل رسمة إلـهية طبيعية ، تعلم منها الإنسان غيرةً أن يشكل لنفسه مسكناً يتناغم مع تلك الطبيعة بنحته للجبال والأراضي الصلبة يبن بها حضارة تاريخية تبقى شاهدة على قِدم تاريخها وعيناً كاشفة لمن يقطن حولها .
الحمراء مدينة حصاة بن صلط الصخرة القديمة التي أبقت أثراً بالنقوش والكتابات التي ترجع إلى بدايات التاريخ ولم تفك رموزها حتى الآن ، تبعد عن العاصمة العمانية مسقط بحوالي ٢٠٠كم تقريبا إرتحالا بالمركبة تحدها مدينة الرُّستاق من جهة الشمال ومن الجنوب مدينة بُهلا وتشرق الشمس على مدينة نزوى قبلها وتغيب عنها بمدينة عبري ، وجدير بالذكر جمالاً أنها تقع بالشمال الغربي لنيابة الجبل الأخضر .
مدينة الحمراء مدينة تاريخية عريقة قديمة أصيلة متميزة ومنفردة بسياحتها الخلابة الطبيعية بين الجبال وواحاتها الخضراء والأودية والاخاديد التي تنساب من على أعلى القمم وبين الجبال مكونة لوحة فنية تفوق الخيال ، ساحرة ببيوتها القديمة المبنية من الصاروج والطين وأسقفها الخشبية مما جعلتها مدينة سياحية يقصدها الزوّار من أرجاء العالم لاكتشاف جمالياتها الطبيعية ذات الصنع الإلـهي ورسم الإنسان العماني الذي مزج بين الماضي التليد والحاضر الجديد .
الحمراء مدينة ينبض التاريخ بطرقاتها وأزقتها وسفوح جبالها وبين مزارعها وأفلاجها وبيوتها القديمة وأناسها المتمسكين بالعادات والتقاليد العريقة الأصيلة ، كل قرية بها تحكي حكاية وكأنها من حكايات ألف ليلة و ليلة كـ ( قرية بني صبح ) البوابة الرئيسية ومجمع التواصل بين مدينة الرُّستاق بجنوب محافظة الباطنة ومدينة الحمراء وقُراها ، و ( قرية مسفاة العبريين ) المبنية في أعالي القمم على ارتفاع ١٠٠٠متر عن سطح البحر وبوابة ضخمة تستفتح القرية وبيوتها الطينية أشهرها ( بيت البيتين ) المتلاصقة ببعضها على حجارة الجبل ومزارعها الكثيفة التي تحيط بالقرية كمدرجات خضراء تكثر بها زراعة ( الخوخ والموز والليمون والرمان والمانجو والبرتقال والفرصاد ) وإستخراج ( المبسل والسكرالأحمر وماءالورد والنشأ ) وافلاجها النقية الصافية الي ترتوي منها تلك المزارع والحدائق الطبيعية وأناسها الذين يقطنون بها ، و ( قرية الحارة القديمة ) تلك القرية التي تجوب بين أزقتها وبيوتها التي تعمرت قبل ٤٠٠سنة كـ ( بيت المغري و بيت الصفاة و بيت الجبل ) تتميز تلك البيوت القديمة في ينيانها ومعماريتها الهندسية وحرفية الإنسان العماني بذوقه الفنان الذي نحت تلك النقوش والزخارف على الجدران والأبواب حتى الأسقف والتي باتت كمعارض ومتاحف لتشهد وترى كيف كانت الحياة العمانية منذ القدم وتعايشها في تلك التضاريس الصلبة .
مدينة الحمراء مدينة جبل القنة أي الجبل المنفرد والمرتفع في السماء والمعروف حاليا بـ ( جبل شمس ) الذي ترتفع قمته عن سطح البحر قرابة الـ ٣٠٠٠متر وقد تم تسميتها بهذا الإسم كونها أول من تستقبل أشعة الشمس وآخر من تودعها ، وبها قُرى صغيرة يقطن بها سكانها معتمدين على خيرات الأرض الطبيعية التي تنبتها كـأشجار ( البوت والنمت والعلعلان والزيتون وشجرة العتم ) أشجار برية تنمو لحالها وتتغذى بمياه الأمطار وقطرات الندى الليلي بأجوائها الباردة على سفوح جبالها دون أن يتدخل الإنسان حتى في تلقيحها والعمل على ( النسيج الطبيعي والحبال والصيعان والغزل والسعفيات ) من مواشيهم ومراعيهم ، حيث يتميز الجبل بكثرة القمم والسفوح الجبلية الواسعة يسهل التنقل بها من سفح لآخر وبسبب ارتفاعه الشاهق يكون الجود به معتدلا تماما في فصل الصيف وشديدة البرودة في الشتاء ما تصل درجة الحرارة به تحت الصفر بعدة درجات حتى أن تتثلج وتكتسح سفوحها باللون الأبيض وتتجمد مياهها العذبة الجارية .
الحمراء مدينة الكهوف والبرك المائية الخلابة كـ ( بركة الشرف ) و ( كهف الـهـوتـه ) التي تعود تكوينات صخورها الكلسية إلى ملايين السنين وقد يعود للعصر الكريتاسي مشكلة لوحات فنية رسمتها الطبيعة التي كوّنها الخالق بألوانها المتعددة تتساقط من رؤوسها قطرات الندى الرطبة ، حيث يوجد بها بركة مائية هائلة تقطنها الأسماك العمياء نادرة الوجود التي تستشعر الموجات للتنقل بها بسبب ظلمة ذلك الكهف ، فهذا الكهف يعتبر كنزاً أثرياً ثرياً بمعالمه الغريبة وقصصه الخيالية وبه متحف يعرف الزائر عن كل ما بهذا الكهف من آثار وصخور وكائنات حية وغيرها .
مدينة الحمراء مدينة الحُفر العميقة والأودية الساحرة كـ ( وادي الغول و وادي النخر و وادي المدعام و وادي الملح و وادي شعمه و وادي المنيبك و وادي دوفيا و وادي الخور ) ، وادي الغول يعتبر من أكبر الأودية والذي يحتضن عدة قُرى بمدينة الحمراء وتصب مياهه في سد وادي الغول ، وفي إحدى القرى الجبلية التي تسمى بـ ( النخر ) يقع وادي النخر الذي يقوم بتغذية المدينة كرافد أساسي لانتعاش الأفلاج كـ ( فلج الحمراء ) والجدير بالذكر عن هذه القرية الجميلة وما يوجد في قمتها العالية هوة تسمى بـ ( شرفة النخر ) عميقة في قلب الصخر أي بمثابة حفرة ضخمه تتوسط الصخر مما جعلها مزاراً مستديما للمرتحلين إليها ، لم يصنعها الإنسان بل صنعتها عوامل التعرية والتكوينات الجيولوجية عبر ملايين السنين والمعروف عنها بأن الأجواء بها باردة حتى في فصل الصيف الحار .
الحمراء مدينة القلاع والحصون والأبراج الشاهدة على عصور من سكن بها قبل الإسلام ومن بعد كـ ( قلعة المصالحة ، قلعة روغان ، حصن الفرس ، حصن الغنيمة ، حصن الخور ، حصن مالك بن فهم ) ومن الأبراج التي شهدت على تلك العصور العابرة ( برج الحصن ، برج القتلي ، برج الحمام ، برد طوى البلاد و طوي القت ، برج الصباح ، برج البطحاء ، برج الشريعة ، برج المقبرة ، برج الولجة ، برج شوين ، برج شعاشع ، برج مصلى العيد ، برج حصن الخور ، البرج الغربي والبرج الحديث ، برج حصن الخور ، برج الكبكبة ، برج الحارة ، برج الخطوة ، برج العرقوب ، برج ذات خيل وبرج العين ) .
مدينة الحمراء مدينة أطلق عليها قديماً بأنها من أفخر المدن العمانية عمراناً وجمالاً وتعايشاً وبهجةً تسر الناظرين ، تشهد عليها جوامعها الأثرية كـ ( جامع العارض ) الذي حسب المؤرخات والمحفوظات بني بالقرن الرابع الهجري ويتكون من ٢٦عموداً ويتسع لعدد ١٠٠٠مصلّي وهذا العدد إن دل لاحتوائه كثرة المصلين فيدل على الكثافة السكانية التي يسكنها الأناس في هذه المدينة العريقة ، و ( جامع القرية ) الصامد بأثاره الإسلامية القديمة تحكي لنا حكاية مدرسة العلماء الذين تواجدوا بهذه المدينة العلمية التأسيسية وعلى يدها أتت مخرجات علمية بعلماء أجلاّء لهم في الشؤون الشرعية والقانونية .
الحمراء مدينة أتت تسميتها حسب التاريخ نسبة إلى ( تل الأحمر ) الذي يحيط بالمدينة وتقع تحديداً بقرية ( برج الشريعة ) ، ومن التاريخ ما يذكر كذلك بأنها كانت مدينة تعك بها المعارك الدموية بأغلب أراضيها استثناء بعض القرى الجبلية التي كانت تعرف سابقا بـ ( حوزة كدم ) ، تحولت إلى مدينة خضراء عندما فرض الإنسان نفسه عليها ليتعايش بأرضها بكل سلام ويتمتع بجمالياتها ومناظرها الخلابة البديعة التي تأسر النفوس من أول وهلة ، حيث تقف الجبال شامخة بهذه المدينة مشكلة لوحة فنية لها آثارها التاريخية القديمة وحضارتها الجديدة الذي أبدع بها الخالق وتعايش معها الإنسان .
3 comments
3 pings
سلطان العبري
29/04/2019 at 11:21 ص[3] Link to this comment
السلام عليكم الأستاذ طارق الصابري
كيف حالك
مقال جدا جميل وتشكر عليه على تسليط الضوء لهذه الولاية العريقة ولاية الحمراء.
ولكن هناك لدي ملاحظات أردت تصحيحها من أجل الفائدة للقارئ الكريم.
وهي عندما ذكرت عن بعض القرى بمقالك ذكرت عبارة (قرية الحارة القديمة) والمسمى الصحيح هو بلدة حمراء العبريبن أو مسمى آخر بلدة حمراء الصلف.
وايضا هناك ملاحظة أخرى في خاتمة المقال عندما ذكرت نسبة تسميها بالحمراء إلى (تل الأحمر) هذا صحيح حسب ماذكره الآباء والاجداد نسبة إلى التل الأحمر الذي يحيط بالبلدة من الجانب الجنوبي الغربي عند عقبة الحمراء التي تقع في منطقة برج الشريعة او المسى بالحبل.
ولكن ما شد انتباهي هذه العبارة التي ذكرتها (ومن التاريخ ما يذكر كذلك بأنها كانت مدينة تعك بها المعارك الدموية بأغلب أراضيها استثناء بعض القرى الجبلية التي كانت تعرف سابقا بـ ( حوزة كدم )) السؤال هي ماهي اسم هذه المعارك الدموية ومع من كانت!
فاذا مستثنى بحوزة كدم وحوزة كدم تشمل الآن الحمراء ومعظم قراها، وغمر وبلادسيت من بهلا.
اين موقع المعارك الدموية
أحمد عبدالله العبري
30/04/2019 at 6:36 م[3] Link to this comment
جميلاً بتعبيرك وراقي بكلمات ، كلمات تزداد ولايتي ( الحمراء ) أكثر جمالاً . لك مني اجمل التحيات .
? أحمد عبدالله العبري ?
عمار السليمي
09/05/2020 at 11:36 ص[3] Link to this comment
بوركت جهودك استاذ
جداً استمعت في القراءه
صياغه والتعبير في الكلام جداً جميل وراقي
وفقك ربي
ودمتَ بخير