قرأت حكاية طريفة لأحد أشهر مدربي تطوير الذات و المشاكل الاسرية، كان يحكي عن رجل جاء يشتكي اهل زوجته. وقبل أن تكون يا عزيزي القارئ فكرة خاطئة عن سبب الشكوى، فهي ليست بسبب التدخل السافر في أمور زوجته أو التكاليف الباهظة التي تكبدها العروس، وهي بالمناسبة التسمية الصحيحة للزوج وليس للزوجة، لم تكن الشكوى أي من ذلك. الشكوى كانت بسبب الكرم المفرط الذي هطل كالمطر عليه من قبل أهل زوجته بمنحه بيتاً يأويهما وخادمةً تساعد زوجته المصون بل وحتى رحلة سياحية لأوروبا على حساب اهل الزوجة مما سبب له الشعور بنقص الرجولة. و بينما كنت افكر بكيفية الحصول على رقم بيت تلك العائلة الكريمة، رن هاتفي مظهراً رقم زوجتي المصون تطالب بقائمة الطلبات اليومية، فاستعذت بالله وعدت لواقعي السعيد.
الرجولة ليست مجرد أعضاء خلقنا بها نحن الرجال، فعمليات التجميل اليوم تفعل ما يشيب له الرأس وتقشعر له الابدان. الرجولة الحقيقية هو كونك سند يركن اليه اهلك، أي والديك و اخوتك وزوجتك و اولادك. متى ما اشتد عصف مشاكل الحياة الهوجاء بهم، واحتاجوا ملاذاً يستعيدوا به قوتهم. يلملمون بهم اشلائهم التي تناثرت من حفر معاول الخذلان وطرق مطارق الهموم اليومية. الرجولة دعم بالمال أحيانا وبالنصح أحيانا أخرى وبالعلاقات ان استطابت. الصمت أيضا معلم من معالم الرجولة كما هو الحلم وضبط الاعصاب، في اغلب الأحيان كل ما يحتاج إليه من يدور في فلك الرجل هو أُذن تنصت إليهم حتى يفرغوا قطران احزانهم في بؤر الحياة.
مهما وصلت إليه الانثى من مال وعلم ونسب وحسب، تظل تحتاج الرجل بأشكاله المختلفة سواء أب يصونها أو أبن تلجأ إليه أو زوج يشاركها حياتها. مثلها مثل اللوحة الجميلة المتفانية في رسم التفاصيل والتي تحتاج الإطار الذي تتمكن به ان تظهر للعلن، والا وقعت على الأرض خالية المعاني معرضة للدعس بأرجل المارة الجهلة.
المال لم يكن يوماً من الأيام نقص بالرجولة فالرجل الحق يعرف كيف يجلب قوت عياله ولو اضطر لاقتلاع عينا غضنفر غاضب، فكم من غني اضحى فقيراً و كم فقير امسى غنيا و رأيت بعيني في انهيار الاسهم في 2006 كيف تساقط الرجال حين خسروا مدخراتهم و كيف تماسك بعضهم ثم نهضوا من جديد. الرجل الحقيقي يعي أهمية المال وحماية اهاله من ذل السؤال. لذلك يحرص على توفيره دوما ويكون عقلاني في النظر للمستقبل واتخاذ القرارات الصعبة مثل حرمان الأولاد من أمور كثيرة يظنونها حيوية بينما يقع على عاتق الأب ادخارها ليوم أسود وعلى الأب ان يتحمل عواقب قراراته وحده دون غيره.
في الجانب الاخر واقصد به الانثى، فواجبها الأول الذي يتربع على قائمة مهامها، هي تربية الأطفال والحرص على النشأة الفكرية والجسدية السليمة. وحتى لو استدعت الظروف لجلب خادمة، فليكن عملها يقتصر على التنظيف والترتيب واما الطهي فلا يجب ان تقوم به إلا الام. فنكهة حنان وعاطفة الام تنتقل عبر الغذاء والمعاملة وعلى الأم ان لا تهمل هذا الجانب المهم، فهو يزيد العلاقة العاطفية ما بينها وابناؤها واقصد لطف الكلام واليد الحانية التي تربت على الاكتاف وتمسد الكواهل. اما عن رغبتها بالعمل فتحدده الحاجة المعنوية الفعلية لكي تتغلب على صعوبات الحياة ان لم يفي الزوج بها او الصرف على والديها او خدمة المجتمع حيث يحتاجها مثل الطبيبة او المعلمة. وليس الحاجة الشكلية كمن تترك تربية اطفالها لخادمة وتقضي ساعات العمل المنهكة الطويلة لدفع ثمن حاجة مادية فارهة او لأجراء عمليات تجميل من نفخ وقطع لتبدو كمن نازل نسيم حميد في أيام شبابه فهذا عبث واي عبث!
ينبغي على العائلة ان تدعم الأب مهما حصل و تشعره بكيانه ووجوده واهميته لكي يعود ويستمر بالعطاء بكل الوجوه وهنا فقط تتوازن الحياة و يؤدى كلاً منهما وظيفته.