مدينة إزكـي قلب محافظة الداخلية من حيث موقعها الجغرافي تبعد عن العاصمة العمانية مسقط بقرابة الساعة والنصف حراكاً بالمركبة أي ما يعادل بـالكيلومترات ١٣٠كم/س ، تجاورها ٦ مُدن عمانية من الشرق مدينة المضيبي وسناو ومن جهة الغرب مدينة نـزوى والجبل الأخضر وشمالاً مدينة سمائل وجنوباً تحدها مدينتي مَـنـحْ وأدم .
إزكـي مدينة الملتقى التجاري قديماً والرابط بين مُـدن الإتجاهات الأربعة ونُـزل قوافلها وتجمع قبائلها وتبادل سلعها وبضائعها والتحاور بالأحاديث والقَصص بين المجتمعات العمانية من كل طرف ، فهي مدينة تجارية تاريخية أثرية أدبية عريقة الشأن قديمة المنشأ إكتسبت شُهرتها بعراقتها التي تعود إلى العصور الحجرية .
مدينة إزكـي الأثرية تاريخياً حسب علماء الآثار والمؤرخين بأنها من أقدم المستوطنات في الإمبراطورية العُمانية والذي أسسها مالك بن فهم الأزدي آنذاك منحدراً من اليمن بعد سقوط سد مأرب محرراً إياها من الفُرس كواجهة للخوض بالغزوة الكبرى في موقعة ( سلوت ) المشهورة وبعد أن حرر أرض عمان من إستعمار الفرس إستقر بمدينة ( قلهات ) وجعلها عاصمة لملكه وكل ذلك كان ما قبل الإسلام .
جـرنـان إسم مدينة إزكـي قبل دخولهم إلى الإسلام هذا الإسم الذي إرتبط بـقِـصص تناقلتها الأجيال تلو الأخرى ، حيث كانوا أهل المدينة يُقدسون صنماً شبيهاً بـ ( العِـجـل ) يُدعى ( جـرنـان ) مصنوع من الذهب الخالص والحلي والفضة والمجوهرات النفيسة حسب المراجع التاريخية وبناءاً على هذا التقديس تمت تسمية تلك المدينة نسبة لهذا الصنم ، وما أن دخلوا أهل عُمان الإسلام طوعاً بصفة عامة وبصفة خاصة لمدينة جرنان فقد حدثت القصة المتداولة وقد تكون من الأساطير والخرافات بأن أهل المدينة أخذوا الصنم المذهب وأخفوه بكهف إسمه حالياً ( كهف جرنان ) نسبة للصنم تحت قرية تُدعى ( النـزار ) بإتفاق قد تم بين السحرة والجـان بعد مشورة أهل المدينة على أن يتم إخفاءه بالتعاويذ السحرية ولم يُرى من تاريخ إختفاءه حتى يومنا هذا .
مدينة كـهـف جرنـان الكهف الذي لا طالما إرتبط بقصة العجل المختفي منذ أن دخلت إزكي وأهلها تحت راية الإسلام ، هذا الكهف أشبه بـ غار يقبع تحت حارة النزار ويعد الغار حصنا حصينا لأهل المدينة وتمتد فتحة الغار إلى مسافة كيلموتر وبعدها تجد نفسك في كهف واسع ضخم بقلب الجبل نفسه وبه مسلكين من الداخل متفرعين لا توجد بهما حياة أو نسمة هواء ومكحولة بالظلام ، فلا ندري حسبما القصة أما زال الصنم المذهب المرصع بالألماس والفضة والشبيه بالعجل موجوداً أم أن الفترة الزمنية في الإتفاق بين أهل القرية آنذاك والسحرة قد إنتهى وأصبحت ضمن حقوق العالم الخفي .
إزكـي وتسميتها بعد إسمها القديم جـرنـان في عهد أبناء الجلندى جيفر و عبد الذين قبلوا الإسلام طوعاً ليس إكراهاً وآمنوا برسالة النبوّة المحمدية ، وحسب الروايات المتعدده أن أهل جرنان كانوا أول من يؤدون الزكاة في عُمان وبرواية أخرى أنهم كانوا يتزكون أكثر من غيرهم ( يتطهرون ) وبقول لُغوي آخر أن دلالة الإسم كذلك ينطبق على مكانة المدينة من إزدهارها وزراعتها وثروتها التي تنمو وتزداد بكثرة وليس بغريب على تلك المدينة ذلك بسبب موقعها ، وكل تلك المعطيات من المعاني تصب من كلمة " الزكاة " فلذا أطلق على مدينة جـرنـان إسم ( إزكــي ) .
مدينة العلماء وروضة المتعلمين ومدرسة الأدباء ومجلس للشعراء ومكتبة تعليمية ودار الحكم والعدل وجامعة أهل العلم والذكر وصفوة المشايخ كـ ( الشيخ موسى بن أبي جابر الأزكوي ) وهو بمثابة العلماء العاملين الراسخين العادلين الزاهدين منذ القرن الثاني الهجري ويكن له الفضل وعظيم الشأن في تقدم عُمان آنذاك بمسيرتها العلمية والفكرية .
إزكـي مدينة حالها كحال بقية المُدن العمانية التي ذكرتها بمقالاتي السابقة تمتلك قرابة الـ ١٠٦فلجاً أهمُّ في ذكر أهمها ( فلج الملكي ) نسبة لـ ملك بن فهم الأزدي ويعتبر من أشهر الأفلاج الموجود في سلطنة عمان بشكل عام وبمدينة إزكي بشكل خاص ومن مميزاته أن يتدفق بشدة وغزارة ومنسوب الماء به عالي جدا وجداوله متفرعة إلى فرعين أحدهما يروي قرية أو حارة النزار والفرع الآخر يروي حارة اليمن ومن العجائب المثيرة لهذا الفلج وقد تكون معجزة إلـهية أنها تمتد بسواقيها إلى مدينة أدم ، وبها عدة عيون مائية يقصدها الكثير للتشافي أو الإستحمام بها لتفاوت درجات حرارة مياهها وأشهرها ( عين المغبة ) عين واسعة ما أن تمتلئ بالماء من منسوب الأمطار حتى تبدو كـ عين زرقاء اللون تناظر السملء بديعة المنظر .
مدينة إزكـي مدينة الأبراج الشامخة المتوزعة على سفوح الجبال والأرض المنبسطة المجاورة للبيوت الأثرية كـ ( بيوت النزار وبيوت اليمن ) والقلاع والحصون ويبلغ عدد الأبراج ١٤٢برجاً بين القائم والمندثر والأسوار المشهورة التي تلتف حول قُراها ، نذكر منها أشهر الأبراج القائمة تاريخيا كـ ( برج وسور حبل الحديد ، برج أم البروج ، برج وادي الحجر ، برج وسور السوق القديم ، برج وسور القريتين ) ومن القلاع المعروفة والمشهورة ( قلعة العوامر التي يتجاوز عمرها التاريخي فوق الـ ٣٠٠سنة تقريباً وقلعتان بسور بلدة القريتين ) .
إزكـي وحصنها النزاري الشامخ المهيب في شاكلته المستطيلة وبناءه الهندسي والمعماري على سفحٍ صخري منبسط يطل على الوادي الجاري من أمامه كاشفاً للداخل والخارج قرب تلك المدينة العريقة التاريخية حامياً لها من أي عدوان ، حيث يُعد م ن الإنشاءات الضخمة التي تثير وتدهش الناظرين لها ولبراعة العمل في تقنيتها وتحصينها بأبراجها العالية وفتحات إطلاق المدافع والمرامي والسقاطات المستعملة لصب الزيت الحار والأبراج الصغيرة التي بطرف السور من جهتي الشرق والشمال .
إزكـي مدينة أبدع في تأسيسها الأزدي مالك بن فهم فقد جعل أساسها مبني من الطين والحجارة وبيوتها من الجص والصاروج والأسقف من الأخشاب المحلية والمستوردة وكذلك نوافذها وأبوابها العملاقة ، الجبال والكهوف التي تجاورها منقوش عليها رسومات تعود آثارها للعصر الحجري ومن ضمن الإكتشافات الأثرية يكثر في جنباتها من جهة الغرب على الصوان المصنّع ، وبها من المساجد الأثرية كـ ( مسجد الحبيب و مسجد الشميسي ) وقبور أثرية قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام وما بعده .
مدينة إزكـي مدينة القُرى الأثرية الجميلة المرتبطة مع زراعتها وأفلاجها ووديانها وأزقتها القديمة المتعانقة مع الجبال الشاهقه كـ قرية ( الحميضيين وقلعة العوامر وحبل الحديد وحارة الرحى والسياحي وشافع ومغيوث وسدي وإمطي وقاروت ووادي الحجر وزكيت والطيب والعوينة والظاهر والقلعة والحليو ... وغيرها كــ ( سيما و مقزّح والشقيقتان النزار و اليمن ) .
الكاتب : طـارق الصابري
سلطنة عُـمـان
1 comment
1 ping
فاطمة غندور
21/03/2019 at 9:44 م[3] Link to this comment
جميل هذه السياحة المفيدة والممتعة المرفقة بالصور الساحرة ..شكرا جزيلا للكاتب الاستاذ طارق..