إن الجريمة الإرهابية البشعة التي وقعت أمس في مدينة "كرايستشيرش" بنيوزيلاندا وذهب ضحيتها عدد من المسلمين مابين قتيل وجريح، تؤكد لنا أن التمييز العرقي العنصري هو الدافع الرئيس للإرهاب، وأن هذا التمييز يَستخدمُ الدين والاثنية أدواتٍ له.
فالإرهابي المجرم مرتكب الجريمة الوحشية - حسب المتداول - استوحى فكرته من العملية الإرهابية التي نفذها اليميني المتطرف النرويجي "أندرس بريفك" في أوسلو عام 2011، وقتل خلالها مجموعة من شباب حزب العمل الحاكم النرويجي، وقد برر جريمته بقوله: "إن الحزب مؤيد للفلسطينيين، بينما يجب أن نكون مؤيدين لأبناء عمومتنا الإسرائليين" !
كذلك تأثر إرهابي "مسجدَي كرايستشيرش" بالإرهابي الأمريكي المتطرف "ديلان روف" المؤيد لسيادة البيض والذي أدين بارتكابه جريمة قتل جماعي في أثناء الصلاة في كنيسة "تشارلستون" بكارولاينا الجنوبية، وكان جميع القتلى أفارقة مسيحيين أمريكيين، واعترف بأنه كان يرغب في إشعال حرب عرقية في المنطقة.
وهكذا مثل سابقيه، برر سفاح "كرايستشيرش" جريمته، بأنه خطط لضرب العلاقات بين الدول الأوروبية والمهاجرين المسلمين، واصفًا إياهم بالغزاة الذين تسببوا في مقتل العديد من الأوربيين البيض في الماضي على حد زعمه.
ومن المؤسف حقًا أن يحاكم هؤلاء الإرهابيين، مزهقي أرواح الأبرياء بالسجن فقط ويتركوا بلا إعدام.
هذا الرابط بين جريمة الأمس الإرهابية والجرائم السابقة التي تأثر بها الأسترالي "تارانت"، تقودنا إلى تأكيد القول الذي بدأ به المقال، وهو أن الدافع الرئيس للإرهاب هو التمييز العرقي العنصري.
إنهم لا يختلفون عن النازي "أدولف هتلر" - الذي رأى الألمان من خلال العرق الآري "الألماني" - عرقًا متفوقًا على جميع الأجناس البشرية، وأكد أن سلالته يجب أن تظل نقية كي تسيطر على العالم يومًا ما، وعندما وصل إلى سدة الحكم أصبحت رؤيته هذه هي المذهب الفكري لحكمه؛ فكان القتل والدمار.
"إسرائيل" التي تمارس إرهاب الدولة، جهرت منذ حوالى 9 أشهر بما يسمى "قانون الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي قالت عنه منظمة "عدالة" - منظمة غير حكومية تعنى بحقوق عرب إسرائيل - قالت: "إن هذا القانون محاولة لتكريس التفوق العرقي من خلال الترويج للسياسات العنصرية".
هذا القانون الصهيوني الإسرائيلي الفوقي زاد من استعلاء واستكبار اليهود وتصديقهم بأنهم شعب الله المختار، وأنهم سيحصلون على الوعد الإلهي بأرض الميعاد - كما ينقلون عن تاريخهم - وكما تعلمون فهي ستسعى لتحقيقه بالقتل والتدمير.
و أخت "إسرائيل"، "إيران" هي الأخرى الدولة الإرهابية التي تدعي بأنها إسلامية وتغلف ثورتها بلباس الدين وقيم العدل والمساواة، فهي لا يهمها أبدًا شأن المسلمين، ولا يهمها السني أو الشيعي أو أي انتماء اثني أو قومي؛ فثورتها المزعومة هي الإرهاب الحقيقي الذي دمر الإنسان والمكان، وهي التي دقت إسفين الفتنة بين السنة والشيعة، وأججت الصراع والاحتراب بين مواطني دول الجوار تحت شعارات دينية وقومية أدمت قلوب الجميع، كما نفذّت ونظمت عمليات إرهابية واغتيالات وقودها البشر ومقدرات الوطن.
إنّ كل مايهم إيران هو تمدد الإمبراطورية الفارسية البائدة، وعودة عرش كسرى فوق الأشلاء والدمار، ونسوا أن التاريخ لن يعيد كسرى.
ولو أدرنا وجهنا نحو اليمن؛ سنجد تمييزًا عرقيًا أطلّ برأسه، كان كامنًا، ولكنه انفجر بانفجار الأوضاع في اليمن.
فالحوثيون الذين يتشدقون بدفاعهم عن اليمن - وهم الذين دمروها وأحرقوها ونكلوا بشعبها - يحتقرون ويهينون غير الهاشميين، متعالين بسلالتهم الهاشمية وهي منهم براء.
إن الإرهابيين ومَن يدعمهم مرضى بالفوقية والغرور وداء العظمة، يريدون تحقيق أحلامهم بالتمدد والسيطرة على حساب الأجساد والأملاك والقيم، وليس لهم لتحقيق أمانيّهم من الأمر شيء، سوى اجترار الماضي وممارسة الإرهاب.
1 comment
1 ping
أبو غفران
16/03/2019 at 5:44 م[3] Link to this comment
مقال موجز أكثر من رائع ، ولا ننسى بعض التنظيمات والتي تنسب أنفسها إلى دين من الأديان وتقوم بالإرهاب والدين منها براء.
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ، اللهم اكفناهم بما شئت وكيف شئت.