مدينة الرُستاق العريقة لوحة فنية ربانية بها الروح تنبض دون توقف تتوسط سلسلة جبال الحجر الغربي الشاهقه ويلتف حولها النخيل المتمايل بسعفها الذي يظلل على أرضها الطيبة ويبهج نفوس قاطنيها وتتحلا بزينتها للزائرين ، تكثر بها القُرى الملتفة حول بعضها البعض تقدر تقريبا بـ ١٧٠ قرية وتسمى باللغه ( رساتيق ) جمع رُستاق بضم الراء وهو إسم فارسي مُعرّب حسب ما إتفقت عليه المعاجم وكان يطلق هذا الإسم في العصر الإسلامي على الإقليم القوي أو الوحدة الإدارية المحصنة للولاية أو المدينة .
مدينة التاريخ والعاصمة العُمانية في زمن العهود السابقة منذ تأسيس الإمامة ، فقد إتخذها الإمام ناصر بن مرشد اليعربي في سنة ١٦٢٤م عاصمةً لحكمه وإستقراره ومعسكراً لتوحيد الصفوف وإنشاء القوة العمانية لتصدي كل عادي لتلك الأرض الطيبة بشكل خاص وعُمان بشكل عام ، وبقت الرستاق مقراً لتأسيس الدولة البوسعيدية والعاصمة والمدرسة الدينية بجوامعها ومساجدها التاريخية كـ ( جامع البياض وجامع العلاية ومسجد قصرى ومسجد الدويرة ومسجد الشوير ومسجد السوقمه ومسجد البقرية وأخيراً مسجد البصرة بالقرب من السوق القديم ) هي نفسها التي تخرج من صلب أرضها العلماء والأدباء والقضاة والأطباء كـ الشيخ ( نور الدين السالمي ) .
مدينة الموروث التاريخي العريق يوجد بها ٦ قلاع و٤٨ حصناً وسبعة بيوت أثرية و ٦٩ برجاً بين القائم والمندثر وأشهرها ( برج المزارعة ، برج الكسفة ، الصايغي ، دارس ، الحاجر ، زولة ، العالي ، حويل المجاز ، القبيل ، عرعر ، المهيب ، المحدوث ، السعيدي ، الكهف ، صنعاء ، والفرع ) ، وسوران أثريان ومن أبرزها قلعة الرُستاق تقف شامخة وتتكون من طابقين وبها أربعة أبراج ( البرج الأحمر ، برج الريح ، برج الشياطين ، البرج الحديث ) و أربعة أبواب ( بوابة اليعاربة ، بوابة السرحة ، بوابة الوسطى ، بوابة العلعال ) التي بُنيت منذ ما يقارب أربعة قرون قبل الإسلام بالجص ممزوجة مع حجارة الجبال الصلبة بأسقف من حطب الكندل وجذوع النخيل ، تأتي مرتبتها بتصنيف القلاع العمانية كـ ثاني أكبر قلعة بعد قلعة بُـهلا جميلة المظهر والتقاسيم هنا نتحدث عن هندسة معمارية عمانية قديمة شديدة بصلابتها وتحصيناتها وأهمية موقعها الجغرافي بأبراجها المدهشة الكاشفة الحامية .
مدينة بها من المعالم التاريخية الكثيره وكل معلمٍ يبرز بأهميته وهندسته الجذابة بحقب متفاوتة ، وفي زمن الإمام المُلقب بـ ( قيد الأرض ) الإمام سلطان بن سيف اليعربي تم بناء حصن الحزم الذي يخترقه فلج الكوثر ، ويتميز بفنه المعماري الإسلامي الأصيل وبواباته الخشبية الكبيرة ودهاليز الأنفاق السرية المنتشرة بجهاتها الأربعة تحت الأرض تم إنشاءها بهندسة حربية لإستخدامها كتقنية للحصار والتحرك بها للوصول إلى المدينة ، وغيرها من الحصون كحصن المنصور الخرافي في بناءه وتصميمه المطل على فلج المنصور الذي يسقى البساتين من حوله وحصن الحوقين وحصون أخرى كـ ( الحجرة ، الميدان ، الميحة ، خطوة ، الشريعة ، عين عمق ، مقدمة ، الهوب ) .
مدينة تجارية نشطة منذ القدم بها أشهر وأقدم سوق شعبي قائم إلى يومنا هذا بحركته التجارية إسمه ( سوق أبو ثمانية ) ويعتبر هو السوق المركزي الأساسي ضمن الأسواق التي تحيط بـ ( قلعة الرستاق ) ، ومن المسمى لهذا السوق يتفاوت العقل في التخمين عن سبب التسمية فهو من الأصل له ثمانية أبواب ولكل باب إسم يقصده الزوار من كل جهة ويُعد معلماً تاريخياً عريقاً متنوعاً ببضائعه التقليدية والحرفية والمواشي ومنتوجاته الزراعية الطبيعية كـ ( السفرجل والليمون والشخاخ والنادان والمستعفل والجوافة والمانجو والموز والفافاي ) وأنواع التمور كـ ( الخلاص والزبد والهلالي والمبسلي وقش السويح والمزناج والجبري وصبع العروس ) .
مدينة الرُستاق الركن الأساسي في محافظة جنوب الباطنة المحاطة بالجبال من ثلاثة أوجه شرقاً تحدها مدينة العوابي وغرباً مدينة عبري وجنوباً مدينة نزوى والجبل الأخضر ومدينة الحمراء ومن الشمال تطل على شمال محافظة الباطنة ، وصفي لهذه المدينة لن يفي بورقة تعريفية بل تحتاج إلى مجلدٍ بكل تفاصيله .
الرُستاق مدينة الجمال الطبيعية ذات الأشجار الباسقة والنباتات المتنوعة والزاهية بألوانها تناغمت مع جَمال طبيعة حياتها الإجتماعية ، مدينة الهدوء والإستمتاع بزقزقة العصافير وخرير المياه العذبة وحفيف الأشجار والإسترخاء على سهولها وجبالها وإستنشاق هواءها العليل ، والتمتع بالنظر إلى أوديتها الرئيسة وشلالتها الجميلة بطبيعتها الخلابة كـ وادي ( بني غافر ، بني عوف ، بني هني ، الحيملي ، الحاجر ، السيابيين ، بني حراص و وداي السحتن ) ، وشلالاتها المتدفقة الطبيعية كـ شلال ( الحوقين ، جـمـة ) .
مدينة الأفلاج التي يبلغ عددها ٢٠٠ فلجاً وعيناً جارياً تم تصميم وشق هذه الأفلاج بهندسة حرفية تشكل تحفة فنية في مساراتها كـ فلج الميسر ويعتبر هذا الفلج من أعرق الأفلاج العمانية الذي يصل عمقه حوالي ٥٠ مترا تحت الأرض وبقوة تدفق مياهه ، وغيرها من الأفلاج كـ فلج (الصياغي ، الحمام ، الطاغي ، العالي ، الجنيبة ، الكامل ، التيار ، فلج أبو ثعلب ، البلاد ، الدمثاه ، الحويل ، البدعة ، السعيدي ، طوي البدو ) .
مدينة العيون المائية وأشهرها عين الكسفة التي إشتهرت تاريخياً بفضل مياهها التي تصل درجة حرارتها ما بين ٤٥ إلى ٥٠ درجة مؤيه ، وتعد مزاراً مهما للإستشفاء من مياهها العذبة وعلاج من الأمراض الجلدية والروماتيزم بسبب العناصر الطبيعية المتوفرة بهذه العين ، وغيرها من العيون المائية العذبة كـ ( عين الحيوت ، عين الخضراء ، عين شرجة ، عين عقد ، عين النزوح ، عين حمحم ، عين الخبة الزرقاء ، عين الخور ، عين السواد ، عين الفنجا ، عين الجمجمى ، عين الصوادر ، عين الطوية ، عين الحيل ، عين نبعان ، عين العقر ، عين المحيدث ، عين الحويل ) .
هذه المدينة السياحية المذهلة التي جمعت بطبيعتها الواحات الخضراء والسهول والأودية والكهوف كـ ( كهف السنقحه والشراديب وجوار حليس والمرصراصة ) والأفلاج والعيون المائية والجبال الشاهقة والحواري الأثرية القديمة كـ ( حارة جماء وحارة قصرى وحارة المحاضر وحارة عيني وحارة الغشب ) ، لتنسجم بجمالها الساحر وعبق ماضيها وأصالة أهلها وتعيش لحظات الإستجمام والترفيه والمتعه وإستعادة نشاط حياتك كلها ما عليك إلا أن تقود مركبتك وعلى بُعد مسافة ١٦٠ كم تقريباً من العاصمة العمانية مسقط
الكاتب : طـارق الصابري
سلطنة عُـمـان