عندما قرأت سؤال عريض طرحته الأخت آمنة الجعيد بملتقى رؤية ٢٠٣٠م ?? حول ماضينا الجميل فقالت :
"لماذا تغير كل شي جميل كان في الماضي ؟
هل لأن الأنفس تغيرت ؟ أم الزمان فقط ؟"
الله على جمال الطرح والتساؤل الذي آخذنا ككبسولة زمنية سرقتًا لماضي قد انصرم وبقيت أطلاله في ملامح كبارنا رحم الله من مات منهم وحفظ الله من بقي يعايشنا كالضيف في عصر ليس بعصره .. ونراه كـ فيلم تراثي وثائقي في الفعاليات الوطنية وابرزها الجنادرية .
تساؤلات منوعة ولكنها تصب في عتب واحد .. لماذا ؟
وأقول للسائلة الكريمة وللجميع من أخذتهم كبسولة رحلة العودة للزمن الجميل ..
نعم الأنفس قد تغيرت بلا رجعه ..
ولكن تغييرها لتغيّر الزمان .. والمكان .. والبشر
فرحيل بعض ممثلي المشاهد القديمة من أهالينا ومن عاشوا معهم تلك الحقبة من تاريخنا التليد كالثقب الذي يسيل منه طيب الماضي.
لذا من بقي منهم الآن تجده يعيش صدمة انتهاء فيلم الماضي بتسليمه آيباد للتسلية .. ولكن انتهاء هذا الفيلم للأسف بلا تصفيق ( تكريم ) لأن جمهور اليوم بالكاد يجالسهم من باب البر فلا وقت للسماع منهم عن ملامح ماضيهم .
فعندما نغير مكانًا مفعم بالذكريات كبيوت الديار الشعبية ونتحول لنسكن شقق وفلل المدن .. حتما ستتغير الأنفس لأنها فقدت البساطة ومحدودية الجيرة ..
وعندما تتغير قيم الدخل المادي وتُستبدل السيارات القديمة بجديدة .. وتشتت أجهزة المحمول بأيدينا ذلك الاجتماع الأسري اليومي على مسلسل عبر شاشة صغيرة قل ما نجد منها ملونة .. حتما ستتغير الأنفس.
وعندما نترك أفراح في الأسطح للنساء وشوارع الحارة للرجال بطبخهم وننقلها لصالات فاخرة نتنافس على مظاهرها ولو بالديون لحجزها لأعراسنا ..
حتما ستتغير النفوس
وعندما تغيب قيم الماضي ومبادئ أجدادنا وآباءنا بغياب المعلم الوالد والمعلمة الأم ويصبح التساهل في الثوابت الدينية أمر عادي ووينشغل جيل المعلمين والمعلمات بمكافحة التعاميم وعشوائية المناهج وتخبط البرامج ويوضع الطلاب بنين وبنات في قنينة زجاجية لا يمسوهم بسوء دلال وإخلال بتربيتهم قبل تعليمهم ..
حتما ستتغير النفوس
وعندما تُهجر الهجر والأحياء القديمة ونفرض على كبارنا حبسهم في غرف الفلل والشقق ظنا منّا أنه برٌ بهم متجاهلين حنينهم لماضيهم ووصفهم بـ ( الطيبين ).. حتما ستتغير النفوس .
وعندما نتيه ونبتعد عن بَعضُنَا رغم وجودنا في منزل واحد ولا يبقى لنا سوى صلة قرابة نظنها كافية لنكوّن بها أسرة .. حتما قد تغيرت النفوس إلا من رحم الله .
تحية إجلال إلى تلك الأسر الأصيلة والباقية على عاداتها رغم المدنية وملهيات العصر .
وتحية إكبار لمعلمي ومعلمات اليوم الذين يكابدون أمواج الأنظمة وإهمال بعض الأسر وغثاء المناهج ليوصلوا رسالتهم خوفا من الله .