لتركيا تاريخ دموى مع العرب ، والتاريخ يقول الكثير عن هذا فليس غريباً على أذهاننا ما ارتكبه العثمانيون على مدار قرون ضد العرب، سواء بالجزيرة العربية أو الشام أو شمال افريقيا،فكلما غرَز العثمانيون سيوفهم فى ارض العرب، كنا نتأخر فيها عن العالم بسنة، وكانوا يتقدمون عنا بسنة، بعد أن تم سبى خيرة العرب فى كل المجالات، حتى افرغوا أغلب بلادنا من المبدعين كى تتزين إسطنبول بثوب الحضارة على يد أبنائنا .
ولتركيا مع أرض الحرمين تاريخ خاص من الحقد اللا منتهي، ولنا فيما ارتكبه العثمانيون عام 1915 م من تهجير قسرى لاهل المدينة المنورة، فى محاولة اقتطاع المدينة المنورة عما حولها واخضاعها لاسطنبول، وجعلها ثكنة عسكرية بعد أن تعدى الاتراك على قدسيتها تمهيدا لتتريكها عبرة.
ولكن ماذا بعصرنا الحالى، فبعد أن وصل حزب العدالة والتنمية للحكم بداية 2003م ، لم يتردد الحزب الإخوانى فى أن يكون البوابة الأوسع للولايات المتحدة فى تدمير العراق، وتسليم العراق إلى إيران بعد تغيير هويتها العربية، وهو نفس الأمر الذى يتكرر فى سوريا، كما حاولت تركيا الدخول فى اليمن من باب مصالحها الخاصة، وان تضع قدما لها بميناء عدن، وليس لاعادة الشرعية لليمن، كما حاولت ومازالت على تدمير ليبيا بمساعدة ذراعها القطري.
وسيندهش أغلب القراء لو علم طبيعة العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاستخباراتية بين أنقرة وطهران، وربما لن يصدق القارئ ما سنقوله أو نكتبه، ولكن هذه هى الحقيقة، أن الاتراك وكعاداتهم التاريخية معنا تلاعبوا بنا كثيرا، وعملت قناة الجزيرة القطرية على تلميع الخليفة العثمانى الجديد أردوغان الاول فى أذهان المواطن العربي، حتى بات للخليفة أنصار فى دول الخليج أكثر من بلاده، ولذلك لم أتعجب الآن من سماع أبواق خليجية تدافع عن مثلث الشر بالإقليم «قطر، إيران، تركيا» على حساب أمن بلادها، فقد عملت جماعة الإخوان على مدار السنوات الماضية على ضرب الهوية العربية والانتماء الوطنى لبلادنا، على حساب الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وكانت جميع خطب القرضاوى تعمل على ذلك.
وآخر عامين تجلى وجه تركيا القبيح، وحقيقة اطماعها فى بلادنا، ففى فبراير 2015م كان يجتمع وزير داخلية أردوغان الأسبق أفكان علاء مع شباب حزب العدالة والتنمية، أثناء مؤتمرات الحزب فى ذلك الوقت، وعند التطرق لمناقشة الشأن الخليجي، دعا أفكان علاء شباب الحزب لفتح مكة من جديد بعد ادعائه أن الرسول صلى الله عليه وسلم تملكه الغرور بعد فتح مكة.
أثناء وقوع حادثة تداعى حجاج منى 2015 خرج محمد قورماز رئيس الهيئة الدينية بتركيا منتقدا السعودية بحدة قبل أن يقدم حتى أى تعازى للضحايا، وصرح فى الصحف التركية «بأن السعودية ليست جديرة بتنظيم مناسك الحج وأنها لم تعد تهتم بخدمة الدين الحنيف».
كما ويحضرنى مشهد أراه غاية في الاهمية ، وكاشفاً وفاضحا لأحلام ، وأطماع تركيا التاريخية فى مكة والمدينة المنورة، فبعد أن طلب أردوغان فى زيارته للسعودية نهاية 2015 م من الملك سلمان نقل جثمان عبد الحميد الثانى من مكة لإسطنبول، توجه رئيس الوزراء الاسبق داود أوغلو ببداية فبراير 2016 م للسعودية فى زيارة رسمية، وانتهز الفرصة للتوجه للكعبة المشرفة، وهنا استقبله آلاف الأتراك المعتمرين بالتصفيق والصفير بشكل اشبه بمشجعى كرة القدم.
وكما لم يكن هجوم تركيا على خادم الحرمين وقت حادثة تدافع منى صدفة، كذلك لم يتواجد آلاف المعتمرين الاتراك وقت دخول أوغلو للكعبة المشرفة صدفة، فقد علقت صحف حزب العدالة والتنمية على مشهد أوغلو بالكعبة، قائلة "الإسلام بُعث من جديد".
حقيقة الأمر هذا المشهد العبثى ذكرنى بقول الله تعالى "وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَة".
ولرغبة اردوغان فى عودة إمبراطورية التسلط على العرب (العثمانية) تقدمت أنقرة للرياض بإنشاء قاعدة عسكرية تركية فى السعودية أثناء تواجد وزير خارجيتها بالسعودية للعب دور الوساطة بين العرب وإمارة الإرهاب قطر، فجاءه الرد الصاعق على المستوى السياسى والإعلامى، بأن المقاتلات السعودية فى انجرليك تحمى مؤخرة نظام اردوغان، فماذا ستفعل أنت فى بلادنا؟!
وبعد ذلك بساعات قليلة كانت أولى الطلائع التركية تصل الدوحة، للتضامن معها ضد السعودية، وبنفس التوقيت تقريبا كان مستشار الرئيس التركى للشئون الاقتصادية يغيت بولط على التليفزيون الرسمى لتركيا، قناة «تى آر تى خبر» فى برنامج التحليل العميق، يقول: "إن السعودية عبارة عن قبيلة ولها ملك والجميع يتبع الأوامر القبلية، وهذا أمر لا يمكن أن يتقبله العقل والمنطق البشري، فالسعودية فى حاجة إلى ربيع، فى حاجة إلى ثورة".
حقيقة الامر كل المواقف السابقة تؤكد لى أن الشيخ نور الدين يلدز (أحد شيوخ أردوغان) لم يكن يبالغ عندما قال: "نحن لدينا مشاكل مع السعودية أكبر بكثير من مشاكلنا مع اسرائيل، فلم تكن اسرائيل العدو الاول لدى تركيا أو حتى إيران".
فكان العرب هم العدو الاول والأخير، التاريخى والجغرافى لتركيا على مر العصور، فحقد الترك هنا غير مقتصر على مصالح اقتصادية ومنابع نفطية هنا أو هناك، بل على كل ما هو قديم بأرضنا، على كل ما هو عربى فى ديارنا.
فهناك من يعمل على أن تكون مدينة قم عاصمة دينية لجميع المسلمين، وطهران عاصمة سياسية لهم، ومن يعمل أيضا بالتوازى كى تكون اسطنبول مقر الخلافة والقبلة لجميع المسلمين وأنقرة عاصمة سياسية لهم.
وأتعجب من عرب بايعوا أردوغان على الخلافة ونسوا أن البلد الوحيد فى العالم الذى به نقابة للعاملين بالدعارة هو دولة الخلافة الإخوانية تركيا (نقابة الشمسية الحمراء) المسجل بها عام 2010م أكثر من 8409 عاهرات، كما سجلت عوائد الضرائب من بيوت الهوى المرخصة عام 2013م مليارين ومائة مليون دولار.
والامر لم يتوقف عند الدعارة فقط، بل تركيا تزرع سنويا مليون ونصف المليون فدان كروما خاصة بنبيذ سارفين التركي، والذى يعد الرابع على مستوى العالم من حيث الجودة وغلو سعره، وفى 2009 م بلغ الاستهلاك الداخلى من النبيذ 20906762 لترا.
وبعام 2008 م حقق الحزب الحاكم الانجاز الاقتصادى الاكبر له، بامتلاكه أكبر مصنع للخمور فى العالم مصنع «تيكيل» وبلغت قيمته 292 مليون دولار.
فأى قبلة وخلافة بها كل ما سبق، بجانب أكثر من عشر قواعد لحلف الناتو، وتنفذ على اراضيها مناورات عسكرية مشتركة مع اسرائيل، وتعقد على أراضيها أقذر الاتفاقات الاستخباراتية والأمنية والسياسية بالعالم لنشر الفوضى فى وطننا العربى، وفى النهاية تطالعنا صحف حزب العدالة والتنمية الحاكم لتتهم قادة مصر والسعودية والامارات بالتخلي عن القدس، قبل أن تستغل تركيا اليوم واقعة خاشقجي أسوأ استغلال، فالامر لم يعد لدى تركيا البحث عن اسباب وفاة خاشقجي بقدر ما هو البحث عن نقطة ضعف للوي ذراع السعودية.
ولعل فى حوار الصحفي التركي هولكي اوغلو المحسوب على الحزب الحاكم وأحد المقربين من الرئيس التركي اردوغان على قناة KRT التلفزيونية التركية، تأكيد جديد على رؤيتنا تجاه الاتراك، عندما قال : "حتى لو بعث سيدنا محمد وأسس حزباً فلن يحصل على أصوات أكثر من أردوغان ولن يفوز عليه"
خلاصة القول أن الاستعلاء التركي يزداد كل يوم على العربي، ولنا فيما يتعرض له السياح العرب عامة والخليجيون خاصة من معاملة فى تركيا عبرة، فالتركي يرى ان العرب عنصر أقل منه، وأن العلاقة بين التركي والعربي يجب أن تظل كالعلاقة بين السلطان الغازي والعبيد، ومن هنا يأتي حقدهم على كل ما هو عربي حتى وأن كان على القرآن وعلى من نزل عليه القرآن نفسه.
الباحث و المحلل السياسي بشئون الشرق الاوسط