مَـنَـح مدينة حِصن الشموخ مدينة العطاء بما تختزنه من خيرات ومحاصيل زراعية تهبها لمن يقطن بها ولكل زوارها الكرام ، فمن مُسماها باللغة نتعرف على أنها مانحة معطاءة واهبة كل ما بأرضها لمن تخط قدمه بها ولمن سكن بأرضها الواهبة ، وقد سُميت كذلك بـ ( مدينة أم الفقير ) لما تهبه للفقراء من الخير والرزق الوفير الذي أنعم الله بها هذه الأرض لهم .
مَـنَـح المدينة التي إختلف فيها المؤرخون والقدماء في نشأتها إن كانت ما قبل الإسلام بألفيْ عام أو خلاف ذلك ، حسب ما خُط في السرد عن حكاية هذه المدينة المانحة للخير والعطاء ، فمنهم من ذكر في التاريخ أنها كانت متواجدة حتى قبل قدوم ونزول الإمام مالك بن فهم الأزدي وقومه من الأزد إلى أراضي عُمان حيث وجدها مدينة مستقرة آمنة جاهزة للإستقرار بها ، والآخر منهم يقول بأن ما أن نزل الإمام مالك بن فهم الأزدي في عمان نزل بمدينة العطاء لوفرة الماء والكلأ وموقعها الإستراتيجي التي تتحصن بجبالها الشامخة الحصينة من جهة الشمال ، حيث هناك جبلا ( بو صروج و الودكة ) بمثابة حصن منيع ضد أية هجوم وإن كان كذلك فهو دلالة على أن المكان لا يخلو من المعيشة البشرية قبل قدومه في المدينة الواهبة حتى أن أخذ له فيها جَنباً وأستقر بها ، والذِّكر الأول الأجدر من أي تأويل آخر فلن ينزل قوم في مكان يخلو من جماليات مدينة كمدينة مَـنَـح المُحصنه بطبيعتها الخلقية .
مَـنَـح مَعلم أثري يبعد عن العاصمة مسقط بقرابة مسافة الـ ١٦٠ كم تقع عند بداية مفترق طريق ( نزوى و صلالة ) من الشرق تجاورها مدينة ( كهف جرنان ) ومن الجنوب مدينة ( أدم ) ومن الشمال الغربي مدينتي ( نزوى و بُهلا ) ، وبما أنها جارة لكل هذه المُدن التي لا تخلو من عراقتها فلنستشف أن مدينة ( أم الفقير ) هي من المدن التي لها تاريخ عريق رائع وحضارة قديمة وجميلة .
مَـنَـح مدينة الصخرة التي بها أثرٌ لقدم إنسان تزن ٥٠ رطلاً لا تزال متواجدة في موقعها بعد أن تم إنتشالها من مكانها في إحدى الروايات حسب السرد وبإختصار أن أحدهم أخذها على راحلته وبعد أن حلّ الليل ليستريح وما أن أصبح الصبح فلم يجدها وبعد البحث المرير عنها وجدها بالمكان الذي أنتشلها منه ، والصخرة التي وجدت مكتوب عليها " من إبراهيم خليل الله " ونص المكتوب على الصخرة " إلتقينا في هذا المكان سبعون فارساً لا هم من منح ولا من نزوى " .
مَـنَـح مدينة القلاع منها ( قلعةٌ في بلدة معمد ) و ( حِصنٌ في بلدة المعرى ) وتوجد ( قلعة الفيقين ) الأثرية في بلدة الفيقين وسرداب من إحدى البيوت يؤدي إلى " كهف الملجأ " لإحتماء النساء والأطفال به في أزمنة الحروب من العدوان و ( قلعة البلاد ) ، ولوفرة محاصيلها وعطاءها اللامحدود توجد بها ١٣ فلجاً أشهرها فلج الفيقين الذي يروي تلك الأرض الخصبة المانحة وفلج مـالـك الـمُـنـدثـر وعينان للمياه
" عين ألمانية " و " عين البلاد " .
مَـنَـح المدينة الحضارية والأثرية القديمة بها منطقة ( البلاد ) التي تتوسطها حارة قديمة مهجورة وتسمى بـ ( حجرة حصن البلاد ) تعود نشأتها الى القرن الخامس الهجري ، حارة بها تخطيط معماري هندسي تم بناءه آنذاك بحرفيةً لا مثيل له وقد أطلق عليها عدة مسميات نسبة لتواجدها في الجهة الجنوبية من الحارة كـ “حصن مَـنَـح" و "حصن بن نجاد" وهي مركز السلطة ومقر إقامة ولي الأمر آنذاك ومربط للخيل .
حارة ممزوج بناءها بين الجص والطوب اللين بالقشِّ والحِجارة والأسقف بجذوع النخيل ، تعتبر من أكبر الحارات الأثرية القديمة التي تحتضن بين أسوارها ٣٧٦ بيتاً تتعايش به الأُسر والأقارب والأهالي في الحارة متداخلين متقاربين ويتشاطرون مياهها العذبة بين قرابة ٢٥٠ بئراً وشبكةً لتصريف المياه من تحت هذه الحارة المبنية بحرفية، وتحيط بها سورين من الداخل ومن الخارج حيث ينصف الحارة ممر طويل يقسمها إلى نصفين شرقي وغربي مسورة بـ سور داخلي يظم البيوت القديمة ومساجده الأربعة المشهورة ( العالي ، العين ، الشراه ، الرحبة ) مزخرفة ومنقوشة بتصميم دقيق وذوق وفن رفيع لا يُعلا عليها ، ومدارس تلقين علوم القرآن والتجويد وحفظه والطرقات الداخلية ودهاليزه والشرفات والسبلات والأسواق القديمة والمجالس التي تتجاذب به أطراف الحديث بين أهالي الحارة .
حارة تتحصن بـ سور خارجي يتراوح سمكه ما بين الـ ٤٠ إلى الـ ٨٠ سنتمراً وقد حسب طول إرتفاع السور إلى ١٥ متراً وأبراج دفاعية وقلاع محصنة وأبواب خمسة ( باب الصباح ، باب القصاب ، باب النصر ، بابي الرولة والبرج ، باب الدعجين ) للخارجين والداخلين منها وإليها وأهمها الباب الرئيسي ( باب البرج ) الذي يقع في شمال الحارة وسمي هكذا لأنه مبني قرب أعلى برج في الحارة حيث يستطيع أن يُرى منه القادم إلى مدينة مَـنَـح من جهتي الشرق والجنوب ويسمى بـ ( برج الجص أو البرج العالي ) .
مدينة مَـنَـح ما أن تَجولتُ بهذه الحارة إلا وأحسست أنني أعيش بتلك الحقبة الزمنية القديمة وكأني أرى من سكنها ومن يجوب بها معي في تلك اللحظه ، أصرّ الآباء والأجداد العُمانين بأياديهم ومهاراتهم أن يشيدو تلك المدينة التي ظلّت جدرانها وتقسيماتها صامدة تاركين بصماتهم لنا ولأجيالنا للتعرف على هذا الفن المعماري الأصيل بأدق تفاصيله الجذّابة العريقة .
الكاتب || طـارق الصابري
سلطنة عُـمـان
2 comments
2 pings
علي بن سالم كفيتان
18/02/2019 at 5:29 م[3] Link to this comment
جميل كل ما هو معروض في البناء والأجمل ما خطه قلم الأخ طارق الصابري عن هوية بعض الحوار التاريخية العمانية لقد استمتعت بقراءة معلومات جديدة ومفيدة عن مدن عمان.
موفق دوما
علي بن سالم كفيتان
محمد
18/02/2019 at 6:13 م[3] Link to this comment
السلام عليكم :
بخصوص الصخرة التي وزنها 50 رطلا، وبها اثر انسان، فقد كانت موجودة داخل مسجد طيني صغير ببلدة عز، ثم فقدت اثناء تجديد بناء ذات المسجد من الطين الى الاسمنت، فهل لدى الكاتب طارق الصابري معلومات جديدة عنها؟، لانه يذكر في مقالته أنها ما تزال موجودة في مكانها، فأين مكانها؟ .. تفضلوا علي بالاجابة لو سمحتم؟