يقول الكثيرين أن القراءة هي اولى خطوات الكتابة. اعرف اشخاص قرأوا عشرات الكتب ولكن لم يكتبوا سطرا في حياتهم.
هل يتعلم الفنان الرسم بمجرد زيارة معرض اللوحات؟ و هل يتعلم اللاعب الرياضة بمشاهدة المباريات؟ و هل يتعلم الموسيقي العزف بمشاهدة فرقة الأوركسترا ؟ لا بد من إمساك الريشة للفنان حتي يتعلم التعامل مع الألوان و ضبح العرق للرياضيين حتى تقوى أجسادهم و التدريب على ادوات الفن حتى تتمرن الاصابع على مداعبة الاوتار .
رأيي الشخصي المخالف هو ان الكتابة تبدأ بالكتابة . القراءة مادة مهمة جدا مثلها مثل معاشرة الناس و الاستماع إلى معاناتهم. جنبا إلى جنب مع القلم والحبر وأدوات الكتابة. لكن ما لم تمسك القلم و تكتب، فأنت لا تزال قارئ ولست كاتب. بمجرد ان تبدأ الكتابة ستتغير قرأتك وتتحول إلى ناقد ، ستصبح اكثر دقة و حصافة . حين بدأت الكتابة واعدت قراءة بعض الروايات، ارتقى بعضها كثيراً ، بينما تدنى بعضها. اتضح لي أن بعضها به ثغرات في الحبكة اثرت على قوتها. وهذا يعتبر مجالا لك لتكتب روايتك كما تجب ان تكون في رايك بغض النظر عن أي وجهة نظر أخرى مخالفة. حين تكتب ستعرف صعوبة كتابة سطر حين يعجز العقل عن نسج كلمة واحدة. ستقدر كثيرا الكتاب والروائيين اللذين يجتهدون لإيصال قصصهم لك. في نفس الوقت لابد أن تكون مستعداً لتقبل النقد فهذا هو الجمهور ، فإن كان مفيدا لك و مقوم لا خطاؤك فا هلا به و الا تجاهله فهذا اسلوبك الشخصي. قد يقيمك شخص فشل في الكتابة و أصبح حاقداً مع كل كاتب و تراه شرس جداً مع المبتدئين و راقي جداً مع المشهورين خوفاً من ان يقال عنه جاهل ان تنتقد علماً راقيا.ً شخصياً قرأت لكتاب في بدايتهم ابهرتني بينما قرأت كتابات متواضعة او مبهمة لكتاب كبار.
تشارلز بوكوفسكي الشاعر الغريب كان يقرر كتابة عشرون صفحة كل يوم و الكاتب الجزائري الرائع واسيني الأعرج كان يخصص اربع ساعات للكتابة يوميا.
الصعوبة هنا كيف تبدا بالكتابة وهي تعتبر اصعب مرحلة لأنها البداية. أولا جد مكان يناسب جوك الخاص، حديقة غناء حيث تكتب وانت تستمع الى العصافير بالنهار او صرصار الليل حين تغرب الشمس. ربما مقهى حيث تمج الشيشة او تشرب الشاي و ربما مكتب الخاص الهادئ الخال من الازعاج. اختيار المكان مهم لأنه صومعة الابداع الخاصة بك. الخطوة الثانية في اختيار المكان هو الحرص على عدم مقاطعة الأفكار سواء منك او من محيط العائلة. نحن نصبر طويلا حتى نحصل على جريان الأفكار و انسياب نهر الابداع واذا تعرضت للمقاطعة يتوقف كل شيء وعليك البدء من جديد وهذا ارهاق وايما ارهاق. انها العزلة التي يجب ان تحرص عليها. بعض الكتاب لا يمكنه الكتابة بمنزله الا واهل البيت نيام وهنا يحصل على الخلوة المراد الحصول عليها. وقت البكور من افضل الأوقات التي تصلح للكتابة. ضع قلما وورقة بجانب سريرك او الحاسوب المحمول و بمجرد ان تفتح عيناك ابدأ بالكتابة اكتب أي شيء الحلم الذي عشت معه أجواء البارحة ، شجارك مع زوجتك او مديرك، أحلامك التي تأمل بالحصول عليها انها ساعة نقاء طاهرة من شوائب اليوم.
وقت اخر مفضل للكتابة هو بعد منتصف الليل الساحر ففي هذه الأجواء الهادئة تحصل على وقت حميم مع القلم بدون مقاطعة او ازعاج او طلبات يومية . تخلص من الجوال لا تضعه بجانبك بل ابعده عنك قدر المستطاع فهذا احد اهم الملهيات التي تواجهنا في أيامنا هذه. متى بدأت الكتابة فلا تتوقف لأي سبب، لا نريد لنبع لأبداع ان ينضب ، واصل بالكتابة حتى تنهي كل ما في جعبتك من أفكار و لا تصلح أي كتاباتك. انها مرحلة الجزء الأيمن من العقل. دعه يعمل دون رقيب . الرقيب هو الجزء الايسر وسياتي دوره لاحقاً
الامر الاخر وهو حتمي وهو النقد، نحن نخشى النقد وربما يسقط قناع الاحترام الأخير لنفسنا فمجرد ان يطبع كتابك سيقرأه الالاف وهنا لا سلطة لك عليهم سوى سحر كلماتك. لذا اقدم لك البلسم الشافي والترياق المعافي من النقد وهو توقعه و تقبله لان الكل تم انتقاده سواء عالميا كان او كاتبا مغمورا. اكتب بصدق و بدون مواربة و احترم قارئك فهو في النهاية الزبون الذي يجب ان يتعامل معه البائع والجمهور الذي يقابله الفنان. في احدى المرات أوقفت امرأة عجوز كاتب الروايات الرعب العالمي ستيفن كنج و قالت له انت من تكتب تلك الروايات المروعة المفزعة لما لا تكتب كتب جيده مثل "إصلاحيه شوشانك" فرد متعجبا: انا من كتبت تلك الرواية! فقالت على الفور: لا لم تفعل!
لا يمكنك إرضاء الجميع و لكن على الأقل ارضى نفسك بما تكتب لذا اكتب يا عزيزي / عزيزتي ما تفخر به و تقبل الانتقاد بكل شجاعة